مهاتير الذي أحب وطنه «1»
#الحب سلوك، من خلاله يتبين صدق الحب وعدمه «قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ». أدعياء الحب بالقول كثيرون «على قفا من يشيل» كما يقول المثل المصري، ولكن المتكلمين بالأفعال هم وحدهم الصادقون حقا. هذا الأمر ينطبق على كل حب لشخص أو قيمة أو أي شيء. وهو ما يميز بين الحب الصادق والآخر الكاذب الذي يجيد الكلام الخادع المعسول غير المشفوع بعمل أبدا.
«مهاتير محمد» واحد من الأسماء اللامعة والنماذج المشرفة في حب وطنه وأبناء وطنه. تولى رئاسة الوزارة في ماليزيا في الفترة من العام 1981 حتى العام 2003، استطاع خلالها أن ينجز الكثير وأن يحدث في وطنه نهضة حضارية عظيمة أصبحت مثالا يحتذى وتجربة ملهمة.
«القيادة بالقدوة» تمثل منهجه الأساس الذي تمكن من خلاله من تحويل رؤيته إلى واقع ملموس. سأقتبس هنا بعضا من كلامه في كتابه الضخم المؤلف من 992 صفحة بعنوان «طبيب في رئاسة الوزراء، مذكرات الدكتور مهاتير محمد»، من منشورات الشبكة العربية للأبحاث والنشر، الطبعة الأولى، بيروت، 2014، وترجمة أمين الأيوبي.
يقول في ص61: لديّ إيمان راسخ بممارسة القيادة من خلال القدوة... كانت ساعات عملي أطول من ساعات عمل أغلبية الموظفين الحكوميين والوزراء... والشيء الذي يحركني هو أنني أجد متعة في العمل بكل بساطة. وأكثر ما كنت أتطلع إليه عندما عملت وزيرا، ومساعدا لرئيس الوزراء، ورئيسا للوزراء، هو رؤية ثمرات أفكاري وسياساتي وتوجيهاتي وقد تبلورت، ورؤية ما لمحته في مخيلتي وقد أصبح حقيقة.
وعن حملة النظافة والكفاءة والأمانة، التي أطلقها حزبه في العام 1982، يقول في ص429: مارستُ القيم التي دعونا إليها آملا بأن أقود البلاد بجعل نفسي قدوة يحتذى بها، وقاومتُ كل محاولات إفسادي.
ويقول في ص434: وكوني القائد الأعلى في البلاد، عناني هذا الشعار «القيادة بالقدوة» أكثر مما عنى أي شخص آخر. القادة الآخرون هم الوزراء، والرؤساء الإداريون وكذلك رؤساء الحزب، لكن إذا أريد أن يكون للشعار معنى، علي أن أكون القدوة.
وكقائد لماليزيا، كان مهاتير محمد يعمل لماليزيا كلها بجميع مكوناتها العرقية من الملايويين «وهم الأغلبية الذين ينتمي لهم عرقيا» والهنود والصينيين، فالجميع مواطنون في نهاية الأمر. يتحدث في ص41 عن هذا قائلا: إن رؤيتي الخاصة بماليزيا، والسياسات التي وضعتْها إدارتي كانت للجميع لا لنخبة تتمتع بصلات سياسية أو دائرة صغيرة مؤلفة من أسرتي وأصدقائي. حتى إني لم أمنح أيا من أبنائي فلسا واحدا لتكوين رأسماله، وكل ما أعطيتهم إياه هو التعليم الجيد، وفرصة للتطور ولبناء أنفسهم في هذه الحياة.
مهاتير كان قائدا سياسيا مختلفا. فالسياسة كما هو معروف لا تعتمد على الصراحة والوضوح، بل على المواربة وقول الشيء ونقيضه في ذات الوقت. ولكن مهاتير أراد أن ينهج نهجا سياسيا مباينا. يقول في ص305: هذه هي طريقة السياسيين، يقولون شيئا ليس في ظاهره ضرر بينما تختلف أهدافهم عنه اختلافا كبيرا، لكن طريقتي تقوم على التحدث من دون مواربة وهو ما يثير استياء الجميع تقريبا.
ولأنه قائد ناجح، فهو لا يرضى بالكثير من الإنجاز، إذ يرى دائما إمكانية العطاء الأفضل، فيعيش حالة القلق والتوتر الإيجابيين المحفزَين. يقول في ص64: إن الناس في الدول المتقدمة يتحدثون بإجلال عن معدل النمو في ماليزيا وأنا فخور بذلك، لكنه فخر مشوب بالأسى، ويمكننا أداء عمل أفضل.
وهو لا ينسب النجاح كله لنفسه، لأنه يدرك فضل الآخرين أيضا. يقول في هذا عن التجربة الماليزية: كان لي دور في ذلك كله لكني سأكون مقصرا إن لم أنسب إلى أسلافي فضل التقدم الاستثنائي لماليزيا، فهم وضعوا الأساس وأنا بنيت عليه فحسب. ولولا حكمتهم البالغة وبصيرتهم النافذة، لكانت مهمتي أصعب.
للحديث بقية...
دمتم بحب.. جمعة مباركة.. أحبكم جميعا