الشعر في مواجهة الموت
عجيب أمر رحلتك البعيدهْ تموت لكي تُخلّد في القصيدهْ «1»
الموت هو الحقيقة الوحيدة التي يتفق عليها جميع البشر، وهو الأمر القهري الذي لا يمكننا رده، والسؤال هنا، هل يمكن قهر الموت بالشعر؟
وتنطلق الإجابة على هذا السؤال من ثلاث محطات:
الأولى: كيف يقهر الشاعر الموت الذي يعبث بأشكال الحياة؟
حيث يوجد مارد الموت، يرى الشاعر ملاك الحياة الذي يرفرف فوق رأسه، يقوم بتلمس مظاهر الحياة وفق تنبؤ شعوري ذي حساسية عالية، لا لأجل تخدير من يواجهون الموت عن الحقيقة التي صدموا بها تخديرا آنيا، بل بكشف حجاب حقيقة هذا الموت وأن الحياة كامنة فيه «على طريقة الجدلية الديالكتيكية»، فلكي تنمو زهرة أو نخلة، لا بد أن تيبس قبل ذلك بذرة.
المحطة الثانية: كيف يقهر الشاعر موته بالشعر؟
الشاعر الذكي هو الذي يستطيع أن يستشعر ملامح الخلود في القصيدة، وأن يذوّب ذاته فيها، حين يصبح الشاعر هو القصيدة، وحين تطرق تلك القصيدة بوابة الإبداع، فسيكون الخلود أول من يفتح لهما الباب.
هنا نفهم سر شعراء استطاعوا قهر الموت وحاجز الزمن والعمر، كمحمود درويش، ولوركا، والسياب، وأمل دنقل، والشابي، وت. س. إليوت، ورامبو، وطرفة بن العبد، وغيرهم.
هؤلاء استطاعوا أن يشعلوا فتيل الحياة والحب والأمل في قصائدهم، فأشرقت مصابيحهم في عيون الناس، ومهمة الشاعر - كما يقول محمود درويش - أن يحلم نيابة عن الناس، وأن ينقل مصباح القصيدة من بيت إلى بيت.
المحطة الثالثة: كيف يشعل الشعر قنديل الحياة؟
نحن في زمن تغتصب فيه الحروب والكراهية شرف الحياة، ونختنق بدخان المصانع رئةُ الفرح، الشعر هو ما نحتاجه الآن، ليعيد اتزان المشاعر الإنسانية ويهذبها، وكما يقول الشاعر جاسم الصحيح:
ما أحوج الإنسان حين تضيمه الدنيا لشاعرْ! «2»
ويقول الأديب الكبير رئيف خوري: «ينبغي للأدب أن يعلمنا شيئين: الفرح بالحياة، وبناء عالم مفرِح». «3»
ولكي تضيء الحياة بالشعر على الشاعر أن يضيء ذاته أولاً بالحب والتواضع والحياة والسلام؛ حتى تضيء به القصيدة والحياة والعالم.