المرأة نيشان انتصار
للمرأة في مجتمعنا تفاعلها المتميز، ولعل نشاطها وهمتها تفوقت على الكثير من الرجال، على الصعيد العلمي والعملي، ويحتاج هذا الرأي إلى بسط الحديث حول أسباب تفوق المرأة، هل للإمكانيات الذاتية التي أودعها الخالق فيها؟!، أم لانطلاقتها ورغبتها في إبراز ذاتهابإزاء شقيقها الرجل؛ خاصة في أعرافٍ ما أنزل الله بها من سلطان، ولاسيما أن العادات الاجتماعية تفرض نفسها، ولعل بعض الأمثال الشعبية والأقوال النقلية جنت على الإناث، فهل حقاً: «صوتُ المرأة عورة»؟!، كما يكرر الكثير من الذكور!!
إذا أردنا تسليط هذه الدائرة في معركة كربلاء، سنلاحظ أن الاستحقار النسوي ليس من شيم الكرام، فهذا الحسين يشفع لـ «أم عمرو بن جنادة» رغبتها في تقديم وليدها «اليتيم»، نلاحظ أن الانطلاقة واكبت هذه المرأة كنموذج، حتى أنها القت برأس ولدها الشهيد على رأس رجل فقتلته، ثم استلت عمود خيمة فقتلت به رجلين، ولولا أن الحسين أرجعها لواصلت الطريق حتى النصر أو الشهادة.
هذه حالة تكررت مع «أم وهب» التي أرجعها الحسين لما استلت عمود خيمتها لتقاتل، فاقتصرت على تشجيع زوجها بضراوة: «قاتل دون الطيبين»، فبقت في نفسها حسرة حتى قالت عند مصرعه: «هنيئاً لك الجنة، أسأل الله الذي رزقك الجنة أن يصحبني معك»، فما أتمت حروفها حتى شدخها عمودٌ بفعل «رستم» مولى شمر بن ذي الجوشن، ومما سبق نقول: لو أن الدين سمح للمرأة بـ «الجهاد الابتدائي»، لرأينا أن زينب فعلت ما فعله شقيها العباس.
ولايخفى دور المرأة الكوفية «طوعة» في معادلة سياسية خطرة، اذ أجارت هذه المرأة المؤمنة خصم الخليفة «مسلم بن عقيل» في حكاية مفصلة يرويها أرباب الخبر والمقاتل، رغم تثاقل وخذلان الانصار من الرجال، وهكذا نرى أن المرأة قلبت موازين السياسة في غير موقف، كما فعلت «هند» زوجة الخليفة الأموي يزيد بن معاوية، عن لحظة تعرفها على سبايا آل محمد .
كل هؤلاء النساء رغم ضعف حالهن وقلة حيلتهن إلا أن لهن دورٌ مشرقٌ خالدٌ كُتب على ناصية الدهر، فهل سمعنا بقصة المرأة الصالحة زوجة حبيب بن مظاهر؟!، التي قالت: «دعنا نأكل التراب، ومضي لنصرة الحسين»؟!، إن هذه المواقف لا حد لها، ولعل موقف «زوجة وهب» التي كانت حديثة عهد بالزواج، لا يقل شأناً عن ذلك، إذ خرجت للمعركة ملوحة له ومشجعة: «يا وهب قاتل دون الطيبين»، ثم عللت له: «إن واعية الحسين كسرت قلبي»، بينما لا يرف الجفن لرجالٍ قُسَاةٍ يذبحون طفلاً رضيعاًعلى صدر والده.
فإذا أردنا اختبار، الحديث: «ما أكرم النساء إلاّ كريم ولا أهانهن إلاّ لئيم»، سندرك أن حول زينب الطهر كثير من اللؤماء، الذين اسرفوا في إهانة بنات الرسالة، فهل يقبل النبي الكريم أن تساق بناته من بلد الى بلد على نوقٍ هُزلٍ عُجفٍ من غير وقاءٍ ولا وطاء؟!، هل يقبلُ النبي الكريم أن يشاهد بناته يُضربن بالسياط على اكتافهن ومُتنهن؟!، هل يقبل النبي الكريم أن يُدخل ببناته في مجلس يزيد وابن مرجانة كالمواشي مربطين بالحبال من اعناقهن؟!
وهل هناك لؤمٌ كهذا اللؤم الذي مورسَ في حقهن؟!، ومع كل هذا الإذلال إلا أن التاريخ خلد لنا مواقف جليلة براقة كانت زينبُ بطلة الخطابة، وصاحبة الموقف الأبي الراسخ، إذ قالت لابن زياد: «ثكلتك أمك يا بن مرجانة»، وليزيد: «إني لاستصغرُ قدرك واستعظمُ تقريعك»، هكذا كانت المرأة توقع مواقفها، فهل سنرقب لمرأة العصر امتداداً زينبياً يسيرُ على ذات الوقع والشموخ؟!