نحن عشاق الشهيد والشهادة
إن من المعاني التي أضافت لها مدرسة عاشوراء بعداً مختلفاً تميزاً وجاذبية معنى: «الشهادة والشهيد» فالشهادة الحسينية تتميز عن اي شهادة اخرى والشهيد الحسيني يتميز عن اي شهيد آخر، لقد أصبح «للشهادة والشهيد» من بعد النهضة الحسينية صدى خاص يلهم العاشقين للحق والدفاع عنه ونبراساً يهتدي به من أراد السير في درب الشهادة ليفوز بوسام الشهادة ويصبح شهيداً؛ الشهادة على الطريقة الحسينية هي ان يبحث الشهيد عن الشهادة لا ان تبحث الشهادة عن شهيد! ان يرى الشهيد الشهادة احلى من العسل واصفى من الشهد في سبيل نصرة الدين الحق تحت راية إمام الحق، الشهادة الحسينية لا تعترف بميزان الحروب فلا عدد جيش العدو يشكل فارقاً ولا الحصار يثني عزماً ولا كثرة الشبهات تزلزل عقيدةً، الشهيد الحسيني الذي يرى الشهادة بين يدي الحق اغلى من الدنيا وزينتها، فلا يحول بينه وبينها ملك ومال وزوجة وولد ودار وبستان، طلق الدنيا من أجل الشهادة! لا يرضى بالأمن دونها بدلاً؛ ولا وعودا زائفة تغير له رأياً.
إن ما يحمله شيعة الحسين اليوم من حماس وعشق نحو الشهادة والإيمان بها مبدأً نحو التضحية من أجل بقاء الدين مصاناً عزيزاً؛ إنما هو بفضل ما تحمله الشهادة الحسينية من هذه المضامين العالية في أسمى معانيها وأكمل حالاتها، شعارهم في كل حين: نحن عشقنا الحسين شهيداً فعشقنا الشهادة، فكل أيامنا حسينية وكل صرخاتنا تلبية لنداءات الحسين واستنصاراته، هكذا هم شيعة الحسين ومحبوه، كأصحابه يوم عاشوراء الذين قال فيهم: « يستأنسون بالمنية دوني استئناس الطفل إلى محالب أمه »، هم اليوم تحيط بهم جميع أشكال القتل بأبشع صور من كل جانب، فلا يبالون بها ثابتين على نهج الحسين معصبين رؤوسهم بكلمات علي الأكبر الخالدة «إذن لا نبالي ان نموت محقين» نعم، لا نبالي بالموت ما بقينا محقين وسائرين على خطاك يا أبا عبدالله.
نعشق السلام على الحسين بـ «زيارة عاشوراء» وتنجذب القلوب والعقول حين نقرأ فيها: « اللهم اجعل محياي محيا محمدٍ وآل مُحمد ومماتي ممات مُحمدٍ وآل مُحمد»، فإن من أهم ما يستفاد من إحياء النهضة الحسينية وأحد أهم دروسها هو السير على نهج الحسين وأصحابه في الدنيا والموت على نهج عاقبتهم الحسنة، حتى نحيا حياة الحسين ونموت ممات الحسين، الحياة الحسينية الحقيقية التي أرادها الحسين للبشرية والممات الذي هو جسر عبور من حياة قصيرة زائلة إلى حياة دائمة باقية، من دنيا العمل والجهاد إلى آخرة الجزاء والحصاد، نعشق الشهادة على خطى نهضة الحسين شهادة قائمة على رفض الظلم والاضطهاد مقرونة بالتضحية والفداء، من أجل الإبقاء على العقيدة الإسلامية خالية من كل انحراف وتشويه، هادفة لإيقاظ الضمائر وتحريك العواطف نحو الحق.
وتلتهب القلوب شوقاً حين تقرأ في الزيارة: «فأسأل الله الذي أكرم مقامك وأكرمني بك ان يرزقني طلب ثارك مع إمام منصور من أهل بيت محمد ،.... وان يرزقني طلب ثاري مع إمام مهدي ظاهر ناطق بالحق منكم»، فتشتاق القلوب إلى ذلك اليوم الذي يظهر فيه إمام الهدى الذي يملأها قسطاً وعدلاً طالباً بدم المقتول في كربلاء، وأن يجعلهم الله تعالى جنوداً تحت راية المهدي من آل محمد، باذلين مهجهم موطنين أنفسهم بين يدي إمامهم، فنحن معتقدين بأن نداء الإمام الحسين ما زال يدوي في الآفاق وهو يقول: «من كان فينا باذلاً مهجته، موطناً على لقاء الله نفسه، فليرحل معنا، فإني راحل مصبحاً إن شاء الله». ومعتقدين ان شمس ذلك الصبح لم تشرق بعد، فشمس ذلك اليوم تشرق من مغربها حين ينادي منادي بين السماء والأرض هذا قائم آل محمد فاتبعواه، مؤمنين ومدركين ان الشهادة هي السبيل إلى نهج الإمام الحسين فهو القائل في بيان خروجه من مكة معلناً بدأ ثورته المباركة: « فإن من لحق بي استشهد ومن لم يلحق بي لم يدرك الفتح»، وهذا البيان واضح بإن طريق الحسين هو طريق الشهادة، لذا كلنا اليوم مشروع شهادة حسينية يريد ان يبلغ الفتح بدمائه في سبيل بقاء راية الإمام الحسين ونهضته عالية باقية.
لذا نرى اليوم الشباب الحسيني وقد تبنى أهداف ومبادئ الثورة الحسينية ضد الظلم والطغيان والانحراف متحملين مسؤولياتهم تجاه دينهم وأمتهم مستجيبين لنداء إمامهم رافضين للذل والمساومة على الحق، وكأنهم يبعثون رسالة إلى آفاق العالم، نحن شباب اليوم وبعد أكثر من ألف وثلاثمائة عام، ما زالت الفرصة أمامنا متاحة للالتحاق بالركب الحسيني لنكون الشباب الحسيني الفاتح في اليوم الحاضر، مؤمنين بمبادئ الحسين وأهداف نهضته المباركة، تردد قلوبهم قبل ألسنتهم: «لبيك داعي الله، إن كان لم يجبك بدني عند استغاثتك ولساني عند استنصارك فقد أجابك قلبي وسمعي وبصري». ملبين نداء الحسين متبنين أهداف نهضته الحسينية ومن أهم هذه الأهداف والمواقف رفض التبعية للظالم والوقوف في وجه الظلم والاستبداد وكشف حقيقة الظالمين، فما زالت سفينة الحسين أبوابها مشرعة لطالبين النجاة، وما زال مصباح هدايته يشع نوراً لمن أراد الهدى.
هذا حماس الشباب وتلبيتهم، يبادلها حماسة وتلبية من يكبرهم سناً فيقدم الأب وتهدي الأم قرابين الشهادة صابرين محتسبين في سبيل نصرة الحق وإمام الحق، يأتيهم نبأ شهادة الأبن البار فيسجدون لله شكراً مرددين تلاوة زينب يوم عاشوراء «اللهم تقبل منا هذا القربان» راضين فرحين بما خصهم الله به من وسام الشهادة فيكملون تلاوتهم الزينبية «ما رأيت إلا جميلاً». وكأنهم يستحضرون خطاب الأنصار الشهداء لإمامهم سيد الشهداء ليلة العاشر: «نفديك بأنفسنا وأموالنا وأهلنا، ونقاتل معك حتى نرد موردك، فقبح الله العيش بعدك».
هكذا عشقنا الحسين إمام الشهداء ومدرسة الشهادة، حتى إذا ختم الله لأحدنا بالشهادة ونال شرفها، تراه ما يزال طامعاً يسأل الله شفاعة الإمام الحسين وجواره في الآخرة، «اللهم ارزقني شفاعة الحسين يوم الورود وثبت لي قدم صدق عندك مع الحسين وأصحاب الحسين الذين بذلوا مهجهم دون الحسين ».