قبل فوات الأوان
ما أن يقع عمل إرهابي حتى ترتفع الأصوات المستنكرة والمنددة بأفعال المنظمات الإرهابية، التي تعيث تخريباً وتدميراً وفساداً في كل بلاد المسلمين، والدعوة إلى الوقوف صفاً واحداً في مواجهتها، والعمل على محاربتها بشتى الطرق والوسائل، وعدم التهاون أو التأخير في ضربها وهزيمتها.
ولعل المتابع لما يكتب في الصحافة بعد كل حادثة إجرامية، يلحظ إشارة كُتابها وتحذيرهم من أن هدف هؤلاء المجرمين القتلة من أفعالهمالخسيسة هو خلخلة الأمن، وهز الاستقرار في ربوع البلاد، وتمزيق وحدة الوطن، وتفكيك نسيجه الاجتماعي، وخلط الأوراق، بإذكاء الفتنة الطائفية وإشعال نارها، وزرع الشكوك والتوترات المذهبية بين المواطنين، وصنع الكراهية والبغضاء فيما بينهم، وجرهم إلى العنف والاقتتال. ففي ظل هذه الأجواء المتوترة والمتشنجة يمكن لهؤلاء المجرمينتمرير مخططاتهم التخريبية، وتحقيق أحلامهم الخبيثة.
عندما يكون الهدف من إزهاق الأرواح الزكية، والقيام بالأعمال الشريرة والإرهابية، هو إثارة الفتنة، وخلق النزاعات، وشق الصفوف، وإحداث الشرخ بين مكونات الوطن الاجتماعية والمذهبية، والعبث بالاستقرار، وزعزعة الأوضاع، ونشر الفوضى، تمهيداًلخلق البيئة المناسبة لتمدد هؤلاء الأشرار، كون البيئة المفككة والمتشظية والفوضوية هيالبيئة المواتية لانتشارهم، وتمرير مخططاتهم التخريبية، فإنه من أولى الواجبات في مواجهة هذا الخطر الإرهابيالمتمدد، ومنع تحقيق أهدافه العبثية والقذرة، وهزيمة مخططاته الدنيئة والشريرة، هو العمل على وأده ودحره واقتلاعه، ليس بالأقاويل والتصريحات والخطب والبيانات، وإنما بالأفعال الجادة والمخلصة والملموسة على أرض الواقع.
ليس من المعقول دس الرؤوس في الرمال أمام هذا الخطر الداهم والمحدق بنا جميعاً، وانتظار وقوع كارثة أخرى حتى ترتفع الأصوات مستنكرة ومنددة من جديد. عندما تكون نوايا وخطط الجماعات الإرهابية على هذه الدرجة من الخبثوالخطورة، فلن يكون مجدياً مقاربة الظاهرة الإرهابية بالأقاويل والأصوات المرتفعة، أو التعاطي مع جرائمها بأسلوب انفعالي مؤقت، أو بردَّات الفعل التي لا تلبث أن ينتهي تأثيرها وأثرها بانتهاء الحدث.
خلاصة القول إنهمن دون معالجة أسباب الظاهرة الإرهابية، والعمل على اجتثاثها من الجذور، وتجفيف منابعها الفكرية، فإنها سوف تكبر وتتفشى وتتمدد بشكل أوسع، وتأكل الأخضر واليابس، ولن يكون حينها لدعوات الداعين إلى وحدة الصف، ولم الشمل، والتماسك الاجتماعي، وحفظ النسيج الوطني، والوقوف صفاً واحداً ضد الإرهاب وتفشيه والنافخين في شرره، من آذان صاغية تسمع دعوات الداعين وتستجيب لنداءاتهم الخيِّرة.