الإنـعـكـاس

 

أمسكها بكلتا يديه وأحتضنها بذراعيه أحس معها بالأمان وهرولا مسرعًا إلى غرفته الخاصة وأغلق الباب بإحكام.

 نظر إليها والسعادة تغمر كل أجزاء جسمه تبسمه وتقهقه في داخل نفسه حتى لا يسمع أحد صوته ويقطع عليه لحظاته المفرحة.

 ما أجملها!! ما أبدع صانعها !! سبحان الوهاب،  ووضعها في زاوية الغرفة وقف أمامها وقال لباس أنيق ووجهًا حسن وجسمًا رشيق حقًا أنت مصنوعة غريبة وعجيبة وأخذ يعدد جمالهُ الظاهري وازداد عجبهُ بنفسهِ وشكلهِ، ورمش بعينهِ وتبدل الوضع وأحس بأن هناك غشاوة على عينهِ وذهبت أدراج الرياح محاولاته لمسح عينهِ وخرج الصوت الفصيح أنت ترى جيدًا أفضل من قبل، أشار بإصبعه وأخذ يسأل..
 ما هذه السوادة ؟
ومن ذلك الشكل القبيح ؟
 وهذا ؟
 وهذه ؟

وبهدوء ولحن يطرب السامع ويدغدغ المشاعر ويؤنس وحدة العاشق ويحلو معه السمر أنا أنفض الغبار عن جسمك أنا حقيقتك الخفية لا أحد يستطيع أن يرها بوضوح مثلي حقق النظر هذا قلبك الأسود بغضك وكراهية الآخرين وحقدك وحسدك أحرقاه وحولاه إلى قطعة سوداء.
 وهذا لسانك فهو يغلي في فمك كما كان يغلي في الكلام على الآخرين بما ليس فيهم .
وأنظر إلى أُذانك فقد التصقت ببعضهما لأنهما لم يسمعا إلا إلى صوت عقلك وصوت الباطل.
 وما هذا السائل النازل من رأسي ؟
لا تتعجب هذا عقلك الصلب الصلد قد تعب من أغلاقه على نفسه فنصهر من شدة الإحكام عليه وجرى على وجهك كالأنهار.
 وفي دهشة حاول رفع يداهُ فخانتاهُ لم تستطع يداه مسح وجههُ لأنها لم تمسح ولم ترفق يومًا على وجه متكدر وتثاقلت أقدامه ولم تتقدم وجذبتها الأرض بقوة كما كانت تنجذب إلى بيوت الرذيلة تحادرت من عيونه دمعة ألم وحسرة لتجرح خذيه كما جرح كلامه ونظراته قرنائه وحاولت شفتاه التبسم وبصعوبة
 ومن صاحب ذلك الجسم القبيح ؟
 وتتبدل الصورة في لحظة الانتهاء من السؤال إلى صورة أجمل !
 وأروع ما تكون !
سبحان الخالق البدع شم رائحة العطر الزكية فهذه سيرته الحسنة بين الناس ولسانه يقطر عسلًا لأن كلامه بلسم يشفي القلوب.

 ونظر إلى الأقراط التي تزين الأذنين لأنهم نهلوا من صوت الحق، والأيدي التي لفت بقطعة من الحرير لسعيها في تخفيف ألم وحسرة يتيم.
 وفي استغراب قال : ومن الغصنين النضرين ؟
أقدام الخير التي سارت على دروب المحبة ومازال في حيرته ودهشته ومن صاحب التاج الألماسي ؟
 وبثبات قال : أنه للعقل الذي تفتح على العالم واستوعب كل ما يدور حوله ووضع الحقائق في ميزانها الصحيح.

 وعرك عيناه وتحقق النظر فرأى قلب أبيض من اللجين وينبض بالحليب الصافي ذلك فؤاد من أحب في الله وأحب التآلف بين مختلف الأجناس وعم السكون لثواني وأنفجر الصوت الذي هز أركان كل شيء
من أنا ؟
ومن هذا ؟
 ومن أنت ؟
أنت صاحب الصورة الحسنى والأفعال التي تشين صاحبها.
 وهذا لم يوهبه الله صورة حسنه ولكن أفعاله زادت من حسنه وبهائه حتى فاقت على كل بهي.
 وأنا انعكا... وتوقف صوت المرآة عن الكلام لطرق الباب بقوة.