الإعلام الجديد كوسيلة رقابة شعبية
لا يقتصر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي على التعارف وتبادل المعلومات والصور والتسلية، بل يمكن أن تستخدم ويستفاد منها في المراقبة والنقد والتَّشكّي. فحين يلتقط أحد ما صورة، أو يسجل عبر هاتفه الجوال واقعة ما، ويضعها على موقع «الفيسبوك»، أو «اليوتيوب»، حتى تنتشر، وتتداول بشكل واسعأيضاً عبر برنامج«الواتساب»، ويتم التفاعل معها، ليس فقط بين عامة الناس، بل في بعض الأحيان عبر وسائل الإعلام التقليدي، الذي يُبرز القضية ويتفاعل معها، وربما تتفاعل معها أيضاً الفضائيات، بتحويلها إلى برامج حوارية، بحيث تشغل حيز من مساحة بثها، ويتم مناقشتها مباشرة مع المشاهدين.
فكم هي الصور أو الفيديوهات التي تصلنا يومياً وهي توثق بالصوت والصورة مثل هكذا وقائع، وتحمل في طياتها إدانةً أو نقداً لجهة ما، أو دائرة حكومية قصرت في أداء واجباتها، أو أساء أحد موظفيها التعامل مع المواطنين، وعطل إنجاز معاملاتهم، ما يحرج المسؤولين عن هذه المؤسسة أو تلك، ويدفعهم، بسبب الفضيحة، إلى إصدار بيانات التوضيح، وفتح التحقيقات مع المتورطين، والبحث عن ملابسات الحادثة، واتخاذ ما يلزم من إجراءات عقابية بحق المخالفين والمقصرين.
فبفضل الأجهزة الرقمية المتطورة الموجودة في أيدي الناس، أصبح بالإمكان كشف وتعرية الخارجين عن القانون، والمخالفين للأنظمة، والمقصّرين في أداء أعمالهم وواجباتهم، والمعطّلين لمصالح الناس في الدوائر الحكوميّة، والمؤسسات العامة. فلولا انتشار مشاهد التقصير والمخالفات والتجاوزات والإساءات عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وتداولها على نطاق الواسع بين الناس، لظلت هذه الوقائع طي الكتمان، وبعيدةٌ عن الأنظار، ولما تعرض أحد للمساءلة والتحقيق، وربما تم تغطيته وتمرير فعلته من دون حساب أو عقاب.
لقد أصبح بالإمكان من خلال التقنيات الجديدة توثيق وكشف وفضح العديد من الممارسات السلبية، والظواهر الشاذة في مجتمعاتنا، كممارسات التفحيط، واتلاف الممتلكات العامة، وعدم المحافظة على النظافة، وعدم احترام الأنظمة، والمعاكسات في الأسواق، والتحرش في مراكز التسوق والأماكن العامة، وإلى غير ذلك من أمور، حيث أصبحت وسائط الإعلام الجديد وسيلة رقابة شعبية ترصد ما حولنا من وقائع وأحداث وممارسات، وتكشف ما يعتريها من سلبيات وقصور، أوخلل في التعامل والمعاملات، أوضعف في الأداء والإنجاز.
فلولا التقدم المتلاحق في الأجهزة الإلكترونية، والوسائل التكنولوجية الحديثة، لما أمكن لمثل تلك التجاوزات والحوادث والظواهر السلبية الخروج عن نطاق حدودها وشهودها. فاللقطات التي التقطها أحد ما بكاميرة جواله، حتى مع ضعف جودة الصور ومقاطع الفيديو الملتقطة أحياناً، إلا أنها تحظى بتفاعل جماهيري واسع حال تنزيلها على وسائط التواصل الاجتماعي، إذ الأمر لا يحتاج إلا إلى ضغطة زر حتى تنتشر الصور والفيديوهات بين الناس.
للحديث تتمة