دفاعاً عن الإسلام
بعد سنوات من العنف المتمادي، والتغافل عن تداعياته الخطرة، يُسيطر اليوم هاجس عالمي من انتشار الجماعات المسلحة التكفيرية، والمنظمات الإرهابية العنفية، ويسود خوف من تمددها عبر كل الحدود والقارات. فبعد الاعتداءات الإرهابية الأخيرة بدأت تظهر مقاربات أخرى في التعاطي مع موضوع الإرهاب، والنظر إليه بشكل مختلف، ومقاربته بلغة جديدة. ففي ظل تنامي وانتشار التنظيمات المتطرفة المسلحة، ذات الأفكار الممعنة في التطرف، وتحولها إلى مصدر خطر أمني عالمي، لم يعد هناك منبلد في هذا العالم بمأمن من تطرفها، وأصبح من اللازم محاربتها، واعتبارها الخطر الأكبر على الجميع، وجعل ذلك أولوية قصوى على قائمة الأولويات.
ولعل ما ينبغي الالتفات إليه في هذا الصدد هو أن نسبة عمليات العنف والإرهاب التي تقوم بها جماعات وتنظيمات تَنسُب نفسها إلى الدين الإسلامي قد ازدادت باضطراد واستمرار خلال العقود الثلاثة الماضية، وباتت أعمالها العنفية عابرة للحدود، فكل أرضتغزوهاتعيث فيها تدميراً وقتلاً وفساداً، ويحل فيها الخراب. ففي الوقت الذي تدّعي فيه انتمائها للإسلام وتمثيلها الحصري له، ويدّعي مدبرو أعمالها العنفية ومنفذوها انتمائهم إلى هذا الدين الحنيف، فأنها، تحت هذا الغطاء الديني، تعمل على تشويه صورة الدين ونهجه القويم، وتنزع عنه كل القيم الدينية والأخلاقية والإنسانية، وتُحرِّف معاني آيات القرآن الكريم، والأحاديث النبوية الشريفة، وتؤولها بما يتلاءم ويتفق مع مصالحها ودوافعها.
لذلك لم يعد من الجائز السكوت على هذا الانحراف، والتجاوز على حدود الدين وقيمه، وأصبح من اللازم مواجهتها بحزم وقوة، والسعي إلى تجديد الخطاب الديني بفكر تنويري يضيء الطريق، ويضعالحق في نصابه، ويقوّم الانحرافاتوالأضاليل والمزاعم الباطلة، ويظهر الإسلام على حقيقته، كدين رحمة ونور وحق ومحبة وتسامح وعدالة، وتخليصه من براثن البرابرة الجدد، الهمج الرعاع، الذين يحاولون اختطافه وتشويه سمعته.
فقد أصبح لزاماً وضع النقاط على الحروف، واتخاذ ما يلزم من أفعالوإجراءات ضرورية لمواجهةتفشي ظاهرة الإرهاب، وتمدد التنظيمات المتطرفة، والعمل على محاربة الجماعات المتشددة، ومكافحة أنشطتها وجرائمها، والتحرّك لوقف تدفق الدعم اللوجستي والعسكري والمالي لها، واتخاذ ما يلزم من تدابير لمواجهة الهجمات الإرهابية، أو التحريض عليها، والتصدي لكل من يقف وراءها، أو يدعمها.
ومن اللازم أيضاً تعريف أبناء الأمة بهذه الأجسام السرطانية الخبيثة، وهؤلاء العابثين بقيم الدين والإنسانية والأخلاق، المرتهنين لأجندات خفية، كي ينبذهم الناس ويأمنوا شرهم، فقد أصبح من الواجب على الجميع مواجهة هذا المرض الخبيث المستشري في جسد الأمة ومواجهته، والوقاية منه، وسد كل المنافذ والأبواب من أجل حصرة، ومنع انفلاته وتجاوزاته، إلى أن يتم القضاء عليه.
ففي ظل تعاظم قوى التكفير والتطرف والعنف، واستمرار مخاطرها على الأمة، فإن من واجب كل القوى الحية في هذه الأمة رفض ممارساتها والتصدي لها، ورفض أي شكل من أشكال الإرهاب والتطرف والتكفير والتنديد به، والتصميم على اجتثاث كل ما يسيء إلىالأمة ويهدد وجودها، والعمل على حماية الدين الإسلامي الحنيف من كل تشويه، والدفاع عن الدين وقيمه، والتصدي للأفكار المنحرفة عن الدين، وتقويم ما حدث ويحدث من انحراف باسم الدين، لأن ذلك يعد دفاعاً عن الدين والحق، ودفاعاً عن الإنسانية.
إن تصاعد منسوب الأعمال الوحشية والإجرامية خلال السنوات الماضية، وازدياد عمليات القتل والتقتيل الهمجية، خصوصاً أنها تتم باسم الإسلام، يجعل من الأهمية بمكان عدم التأخر في محاربة الظاهرة الإرهابية واستئصالها، بل من الضروري جعل مواجهتها أولوية قصوى، وأن يُتفق على وضع خارطة طريق استراتيجية واضحة المعالم لمحاربتهاوالوقاية منها، بحيث لا يقتصر ذلك فقط على المواجهة العسكريةوالأمنية والقانونية والسياسيةوالاقتصادية، وإنما تشتمل أيضاً على تجفيف منابع الإرهاب، ومواجهة التطرف فكرياً وثقافياً، باستئصال جذور التطرف، ومعالجة الأسباب والظروف التي أدت إلى نشأةهذه الظاهرةوتمددها وتفشيها.