التعطش إلى الفنون «1»
شهدت منطقة القطيف خلال السنوات القليلة الماضية، وما زالت تشهد، العديد من المهرجانات الشعبيةالتي تخللتها الكثير من الفعاليات الثقافية والفنية المختلفة، بالإضافة إلى الفعاليات التراثية التيتذكر بالماضي الجميل، وتستعيد شيء من ذاكرة التقاليد المنسية أوالمندثرة، حيث حظيت هذه المهرجانات والفعاليات المصاحبة لها على إقبال واسعوكبير من قبل الأهالي وغيرهم، وبصورة مطردة مع كل عام، في حماسة ملفتة للنظر، تعبّر عن السرور والرضا بتلك الفعاليات الجميلة والمبهجة، وعن الشوق واللهفة إلى مشاهدة ما يقدم من عروض وتجارب فنية مختلفة، يؤديها ويشارك فيها أبناء المجتمع. فقد كانت هذه الاحتفالات والفعاليات مصدر للفرح والبهجة والسرور للمشاركين والحضور والزوار، وتركت انطباعاً جميلاً عن أهل المنطقة، وما يتمتعون به من صفات وخصال جميلة.
إن مفردة فن أو فنون، كما تشير موسوعة ويكيبيديا، «تستخدم لتدل على أعمال إبداعية تخضع للحاسة العامة، والتي تُعبّر عن الموهبة الإبداعية للفرد. ويُعتبر الفن نتاج إبداعي للإنسان، حيث يشكل فيه المواد لتعبر عن فكره، أو يترجم أحاسيسه، أو ما يراه من صور وأشكال يجسدها في أعماله. فهناك فنون مادية كالرسم والنحت والزخرفة وصنع الفخار والنسيج والطبخ. وهناك أيضاً الفنون غير المادية والتي نجدها في الموسيقى والرقص والدراما والكتابة للقصص وروايتها».
إن مفهوم الفن ومعناه يختلف من فرد إلى آخر، ومن مجتمع إلى آخر، وذلك تبعاً لمقدار ما يملكه هذا أو ذاك من إلمام ومعرفة وحصيلة ثقافية، بالإضافة إلى ما يملكه من تجربة وخبرة متراكمة. وعلى ضوء هذا التراكم تختلف النظرة والتباين حول ضرورة الفن وأهميته في الحياة الإنسانية، إلا أن الخلفيات الدينية والعقائدية والايدلوجية التي ينتمي إليها الفرد تلعب دوراً مهماً في تحديد موقفه من الفن وضرورته وأهميته في الحياة، فهناك من يرى ضرورة الفن وارتباطه الحيوي بالواقع الإنساني وطبيعة وجود الإنسان، وهناك من لا يرى هذه الضرورة للفن ويقلل من أهميته الأساسية في حياة الفرد، وأن الحياة أكبر من أن تتوقف عند هذه الحاجة.
وبغض النظر عن هذا الاختلاف في الموقف وفي الرؤية حول ضرورة الفن وأهميته في الحياة، فإن الواقع يشير إلى أن هناك اهتماماً متزايداً بالفنون، وبكل أشكالها وأنواعها الأدبية والتشكيلية والبصرية والمسرحية والسينمائية، ليس من قبل فآت نخبوية معينة فقط، وإنما تتوسع دائرة هذا الاهتمام لتشمل كافة الشرائح والفئات الاجتماعية المتنوعة، وهو أمر لم يكن بهذه السعة والزخم قبل عقد أو أكثر من الزمن.
لقد أصبحت الفنون كما يبدو جزءاً من الحراك الاجتماعي في حياتنا اليومية، حيث يتجلى هذا الاهتمام، ليس فقط من خلال التفاعل مع النشاطات والفعاليات الاجتماعية والثقافية، وإنما أيضاً من خلال النشاطات والمناسبات الدينية، والتي أصبح فيها الفن مادة تُقدّم للتعبير عن مضامين وأهداف الرسالة الدينية، وهو أمر لم يكن موجوداً من قبل، وأصبح إضافة نوعية إلى جانب تلك الأشكال والأعمال التقليدية والاعتيادية، والطرق المتعارف عليها في مثل هذه المناسبات. فأصبحنا نرى ونشاهد تقديم العروض المسرحية والأناشيد المصحوبة بالموسيقى، أو بالمؤثرات الصوتية، بالإضافة إلى المشاهد والأناشيد التي تؤدى على طريقة الأوبريتات الموسيقية.
وجليٌ اليوم أن المهرجانات والاحتفالات والنشاطات المتنوعة التي تقام أيام المناسبات السنوية المختلفة، أصبحت فرصة ومجالاً تقدم فيها وتعرض الإبداعات الفنية المتنوعة، حيث تقدم فيها عروض مسرحية وتمثيلية وأفلام منتجة محلياً، كما تقام فيها أمسيات شعرية وقصصية، بالإضافة إلى ما يقام فيهامن معارض فوتوغرافية وتشكيلية، ومراسم مخصصة للفن التشكيلي، وورش عمل لتنمية وتطوير الإمكانيات الذاتية، دون أن ننسى أيضاً العروض الفلكلورية التراثية والشعبية، وإلى ما هنالك من أشكال الفنون الإبداعية التي يؤديها ويقوم بها شباب ومواهب في غالبيتها من الهواة، وتحضا بإقبال واسع، وتقدير كبير من قبل الزائرين والرواد.
الاهتمام بالفنون لا يقتصر على المناسبات الموسمية بالطبع، بل تختلف وتتنوع طرق التعبير عن هذا الاهتمام، حيث بدأت ظاهرة المعارض تجذب أعداداًأكبر من الرواد، فالكثير من الناس اليوم يرتادون المعارض، المعارض على كل أشكالها الثقافية والفنية والتشكيلية، والتصوير الضوئي، ومعارض الكتب، بالإضافة إلى الاهتمام بشراء وقراءة الروايات والكتب الأدبية، وكل ذلك أخذ يصبح أمراً اعتيادياً وجزءً من الثقافة الاجتماعية، التي شهدت وتشهد تحولات، وإن بطيئة، في الاهتمامات على مستوى الفرد والعائلة والمجتمع والجماعات، وهو تطور من المهم رصده ومتابعته والاهتمام به ودراسته، ليس من أجل تفسير ما يحدث، ولكن أيضاً من أجل تحليل ما يعنيه من دلالات وأبعاد مستقبلية.
إلا أن السؤال هنا هل هذا الاهتمام بالفنون مجرد مظاهر خارجية وسطحية، وأمر عرضي وثانوي ومؤقت، وصادر فقط عن رغبة في التسلية والمتعة وتزجية الوقت ليس إلا؟ أم أن هذا الاهتمام يعبر عن نقلة موضوعية جديدة ومختلفة في حياتنا الثقافية، وخروج على أنماط الثقافة التقليدية، وصادر من هاجس البحث عن الذات، وإرضاءً لها وللنفس كي تعبر عن وجودها الإنساني من خلال هذه الفنون؟
للموضوع تتمة......