الكتابة وطقوسها

لا شك أن القراءة والكتابة لايقلان شأنا ولا أهمية عن غيرهما فهما اللذان يبنيان مستوى الفكر ويقيسان أساس النشاط الثقافي.

ولهذا وبعد أن استقينا من معين القراءة الذي لا ينضب أكثر من عشرين عاما خضنا غمار الكتابة منذ مدة تقارب العشرة أعوام وقرأنا من الكتب ما قرأنا ولعدد كبير من الكتّاب والمؤلفين وعلى أثر ذلك شدني سؤالا، كيف يكتب هؤلاء وأين ومتى؟

فكما لكل طريقته في الملبس والمأكل وطريقة معينة في التحدث مع الآخرين ومعاملتهم مثلا، فبكل تأكيد هناك وضع خاص للكتابة وطقوس معينة يمارسها ذلك الكاتب.

وخلال بحثي في هذا الموضوع أطلعت على كتاب يصب في هذا الشأن بل يصح أن أقول أن مؤلفه الأستاذ الكاتب والروائي «عبدالله بن ناصر الداوود» قد أفرده لهذا الجانب وهو طقوس الكتابة وأن كان خصصه لفئة منهم وهم «الروائيين».

وفي هذا الكتاب الثر والقيم أمتعنا المؤلف بأسماء لامعة في عالم الكتابة ولا سيما كتابة الرواية وأتحفنا بشيءٍ من طقوسهم وطريقتهم في الكتابة وكيف ومتى وأين يكتبون، ومن تلك الأسماء الروائية الانجليزية الشهيرة «أجاثا كريستي» «1890 - 1976م»، يقول عن طقوسها في الكتابة «في كتابه السابق الذكر في ص 30 من مجموعته الأولى» «يقول عنها زوجها «ماكس مالوان» شيدنا لها حجرة في نهاية البيت كانت تجلس فيها من الصباح وتكتب روايتها بسرعة ونطبعها بالآلة الكاتبة مباشرة، ألفت ست روايات بتلك الطريقة موسما بعد آخر، ثم تتحدث هي عن نفسها لتقول: قبل البدء في الكتابة أحتاج لتركيز محكم فأخلو وحيدة دون ضيوف وهاتف ورسائل».

أما الروائي المصري الكبير «نجيب محفوظ» «1911 - 2006م» فيتكلم عن طريقته في الكتابة فيقول «عندما أنهي العمل أعمل على تبييضه ثم أنتظر وقتا، ثم أعيد قراءته وفي جميع الحالات أشعر بعدم الرضا، أشعر بالفرق بين التصور المبدئي وبين ما أنتجه فعلا، بين الطموح وما تحقق ولكن هذا لا يؤدي إلى إلغاء ما كتبته.

وكان نجيب محفوظ في قمة عطائه يكتب في فصل الشتاء والخريف ثلاث ساعات يوميا من العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا، ومن طقوس كتابته التهيؤ للكتابة بالمشي قليلا والاستماع إلى الموسيقى وشرب القهوة والتدخين بشراهة».

وبالرجوع إلى المؤلف وكتابه «طقوس الروائيين» نلاحظ ما بيناه سابقا من أنه أجاد في اختيار الأسماء الجيدة والتي منها أيضا الروائي والكاتب الأمريكي «آرنست همنغواي» «1899 - 1961م» والروائي والقاص البرازيلي «باولو كويلو» والكاتبة والروائية الجزائرية «أحلام مستغانمي» وكذلك الكاتب والروائي السعودي «يوسف المحيميد».. وغيرهم كثير.

ومما يحسب للمؤلف أيضا أنه ترجم وعرّف لكل شخصية تطرق للحديث عنها وكذلك مما يحسب له ذكر بعض أعمال وإصدارات تلك الشخصيات.

ولا يفوتني أن اثني على متابعته لكل طقوس الشخصيات وتسجيلها كاهتمام ذلك الكاتب مثلا بنوع معين من الأقلام وذاك بلون معين من الورق ووقت بعينه للكتابة.

وأخيرا فات المؤلف الإشارة إلى الحالة النفسية التي تتبع تلك الطقوس بأن يبين لماذا هذا الكاتب يختار هذا القلم بينما يختار غيره نوع آخر من الأقلام..

ويبقى لكل طريقته وطقوسه في الكتابة والتي لا يمكن للكثيرين أن يكتب حرفا ولا يخط كلمة إلا بها.