الشجرة وعود الثقاب!

نحتاج لوقت طويل لزراعة شجرة واحدة وبإمكاننا صنع الآلاف من أعواد الثقاب من تلك الشجرة، التي بإمكانها تدفئة وإنارة الظلام للكثيرين، لكن عود ثقاب واحدا فقط كفيل بحرق آلاف الأشجار وفي دقائق معدودة.

بعض الجهود تكون كبيرة جداً لخدمة هذا الوطن العظيم لكن بإمكان أمور بسيطة تدمير جزء كبير من تلك الجهود. لقد وفرت الدولة الكثير من الخدمات الطبية المجانية للمواطنين لكن يضطر الكثيرون للجوء للمستشفيات الخاصة إما لازدحام المستشفيات الحكومية أو لصعوبة الحصول على الخدمة الطبية فيها أو لعدم توافرها. إضافة للحالات الإسعافية، التي تلجأ لأقرب مستشفى لها حتى لو كان خاصّاً.

لقد قدمت الدولة الكثير لرعاياها فقد وفرت خدمة تتيح للمواطن ذي الحالة الإسعافية، الذي اضطر للذهاب لمستشفى خاص أن يرفع تقريراً بحالته لوزارة الصحة، وإذا ثبت أن الحالة إسعافية، تقوم الوزارة بدفع جميع التكاليف المتعلقة بعلاجه.

تكفلت الدولة أيضاً بتكاليف الحالات، التي تحتاج للبقاء في المستشفى لفترة طويلة وبالبحث المستمر عن مستشفى سواء حكوميا أو خاصا يستطيع توفير الرعاية اللازمة والمتخصصة في حالة المريض، وذلك عن طريق خدمة «إحالة». إضافة لذلك تقوم الدولة بعلاج المواطنين في الخارج لمَنْ لا يتوافر علاجه في الوطن مع دفع جميع التكاليف.

نحن هنا نتحدث عن الكثير من الأشجار وملايين من أعواد الثقاب، التي تنتجها الوزارة وجهود جبارة هي محل تقدير واحترام، لكن من المؤكد أن البيئة، التي تغيب عنها بعض الأنظمة والقوانين سواء بعدم وجودها أو عدم تفعيلها هي بيئة خصبة للتلاعب وعبث العابثين.

هنا يأتي دور عود الثقاب العابث. مواطن يقوم بتحليل فيتامين دال في مركزين طبيين مختلفين في نفس الوقت، فيخبره الأول أن مستوى الفيتامين لديه طبيعي ويخبره الثاني أن لديه نقصاً ويحتاج لعلاج ومتابعة. يكلف تحليل DNA في بعض المستشفيات الخاصة 6 آلاف ريال. سعر المبيت ليلة واحدة في أحد المستشفيات الخاصة أربعون ألف ريال. أسعار لا منطقية وأدى إلزام الضمان الصحي على المقيمين إلى الرفع والتلاعب بالأسعار أيضا.

وهنا نذكر معاناة الذين قدر الله لهم أن يكونوا بين مطرقة جشع المستشفيات وسندان شركات التأمين. فهنالك حالات يقوم فيها المستشفى ببعض الإجراءات الطبية غير الضرورية للاستفادة من مرضى التأمين وفي حالات أخرى ترفض شركات التأمين الدفع لبعض الإجراءات أو العلاجات الضرورية للمريض بحجة أنها غير ضرورية.

عدم وجود بروتوكولات معروفة، واضحة ومصدق عليها من الجمعيات أو الهيئات السعودية ذات الاختصاص لعلاج بعض الحالات يعطي الفرصة لأطباء الفكر التجاري بالتلاعب واستنزاف جيوب المواطن أو لشركات التأمين بتعطيل علاجه.

أيضاً ساعد عدم إقرار أسعار رسمية محددة وموحدة وإلزام مقدمي الخدمات الطبية في القطاع الخاص بالتقيد بها على إرهاق المواطنين بالتكاليف المرتفعة بدون حسيب ولا رقيب. كل ما على المستشفى هو أن يرسل مندوبه بقائمة الأسعار، التي حددها المستشفى للوزارة فتتم الموافقة عليها بدون حدود أو قيود أو مساءلة أو حتى مراجعة.

لقد حان الوقت لوضع سقف للأسعار يحدد بحسب درجة الطبيب العلمية وخبرته مع تشديد الرقابة على مقدمي الخدمة ومحاسبة المخالفين. طرحت سابقاً فكرة البطاقة الطبية الذكية، التي بإيجادها وتفعيلها ستكون من أقوى الحلول وأكثرها فعالية لحل الكثير من المشاكل سابقة الذكر، حيث سيكون من السهل علينا تتبع حالة المريض، والمركز الطبي الذي راجعه، والإجراءات التشخيصية، التي عملت له وماذا تلقى من علاج.

كاتبة صحفية