قلبها بين يديه

 

 ليلة أكتمل فيها القمر وغيوم رمادية محملة بالمطر قد حجبت  ذاك الجميل المنير كحبة لؤلؤ بيضاء ناصعة  بداخل صدفة رمادية في قاع البحر ..

 كانت منال  ترتشف فنجان من القهوة ، افترشت  أرض غرفتها بكتب لطالما كانت رفيقة و مؤنسة لقلبها و عقلها معا ، وضعت الفنجان على المنضدة ، و أمسكت بقطعة قماش مبللة ، حدثت نفسها  مكتبتي العزيزة ، كم أهملتك و  أنشغل فكري عنك لفترة طويلة فهذا الغبار المؤذي قد غطى سطحك الذي لم يقصّر يوما في حمل كتبي ، فكيف لي و قد قصرت بحقك حبيبتي ؟! حان الآن أن أرد لكِ الجميل ولو بقليل ..

سأمسح هذا الغبار …

أي دراسة أو آخر  قد ألهاني عنك يا من تحمل بين طياتها ما يفيدني و اصطحبته معي وقت حاجتي  و رافقته في وحدتي ؟! مالي وقد  تخليت عن صداقة صادقة أعتذر عن …

 ، دقات خفيفة على باب غرفتها قطعت حبل الاعتذار ،ابتسامة أب حنون يحمل كيسا من الورق الذهبي ، قدمه لأبنته التي أكملت عامها الخامس و العشرين ، بادلته بابتسامه و نظرات خجلة ، احتضنته ثم قبلته و شكرته و قالت له كما في كل عام في ذكرى ولادتها : أنت أجمل هدية (بابا) .

 ضحك بهدوء ، نظر لعينيها العسليتين و تمتم بكلمات متقطعة .. 

قال لها : اكتشفي ما بداخله … كانت مفاجئة لها لم تسبق لها مثيل ..

هزت قلبها أحمر وجهها .. سألها والدها ما رأيك ؟؟  أجابته وقد ارتدت برداء الخجل ..

لا أعلم ..

عينيها تقع على اسم المتقدم لخطبتها .. خالد .. 

سافرت  وكانت أمتعتها الأفكار   نحو أسئلة كثيرة .. كان يشاركها في رحلتها  والدها حدثها بحديث قصير عن الزواج كسنة من سنن الحياة ..

 ثم ختم حديثه بقول الرسول : " من أتاكم من ترضوه دينه و خلقه فزوجوه "، أخرج من جيبه الهدية الحقيقة التي وعدها بها   ..

ظلت  أيام و ليالي الحيرة  تزورها بين الحين و الآخر ،الخوف من المجهول كان له نصيب كبير لزيارتها أيضا .. خالد يكبرها فقط بثلاث أشهر لطالما كانت تتخيل فارس الأحلام أو زوج المستقبل يكبرها بخمس أو عشر سنين .. تؤمن أن المرأة تظهر عليها التجاعيد و علامات الكبر  أسرع من الرجل .. فكيف لها أن تقف بجانبه لو  كتب الله لهم ثلاثون أو أربعون أو يزيدون من السنين .. ستبدو أكبر منه ؟! .. حدثت والدها بالمخاوف التي سكنت قلبها .. فعلمت أن خالد يفضل الزواج ممن تكون بنفس عمره .. فوافقت .. وتم عقد القران ..

 في ليلة اجتمع فيها الأهل و الأصدقاء ، كانت كزهرة اللوتس بفستان زهري .. أزداد جمالها بالخجل الذي غزى عينيها ، وجنتاها، و ابتسامتها  .. اقترب منها خالد مرددا : سبحان الله يا سبحان الله ! كانت الأيام سريعة  تخللها زيارات كثيرة من خالد العاشق المحب لخطيبته منال .. التي تبادله نفس المشاعر ، السهر على ضوء الشموع تارة و أخرى على ضوء القمر ، تفننت بإطلاق الرومانسية بينهما لتنال رضا الحبيب ، تتزين و تظهر مفاتنها في كل حين ، السعادة غمرت قلبيهما و خاصة منال  باتت لا تردد أبدا في صرف أموالها و طاقاتها في سبيل زرع البهجة و الراحة لزوجها .. كانت الأنظار و الأحاديث محط اهتمام من حولهما .. فأصبحا روميو و جوليت العائلة .. يغبطهما البعض و يحسدهما البعض الآخر ، خلافاتهما قليلة و سرعان ما تزول كنسمة هواء سريعة ، التفاهم  و احترام الآخر كانا البطلين الرئيسين في حياتهما .. قلب منال غارق لا يحتمل فراق خالد فكلما أغلق سماعة الهاتف أو ودّعها  يزداد شوقها وحنينها ، كلما تغمض عينيها ترى نظراته ، بسمته ، ضحكاته ، و حتى قبلته ! 

 أصبح كالماء ترتوي من حبه ، كالهواء تتنفس حنانه .. هو الروح التي تحرك نبض قلبها بقوة كلما سمعت صوته ، لكنه في تلك الليلة بعد مضي خمسة أشهر ، كاد حديثه يوقف النبضات لم يحييها كعادته كان مميتا ، كان الحديث جارحا مؤلما قال لها : باختصار لا أنوي ظلمك أبدا معي فأنتِ رائعة بل أكثر من ذلك ، فمنذ سنين تربعت وسط عرش قلبي، طوال الخمسة الأشهر لم أستطع نسيان نسرين ابنة عمي المتزوجة ،تزوجت ولم أبح لها بسر دفنته في قلبي ،  خيالها لا يفارقني حاولت تكرارا و مرارا  ، اعترف لك ِ كل حركة و كلمة قد مارستها معكِ كانت صورتها أمامي ، لم افلح أن أجعلك  أميرة في قلبي ، هي الوحيدة التي استلمت الأمارة بكل مشاعر الحب القوية ، فعذرا هنا سيكون آخر حديث بيننا ، أيقنت أنها كانت تعيش في سراب و ضباب ..

 الألم يعتصر فؤادها و الدموع أصبحت جارا لصيقا على خديها ، لكنها لم تسمح للضعف ينتصر ، كانت قوية و راضية بقضاء الله ، جعلت ما حصل تجربة تتعلم منها ، كانت واثقة و متوكلة على الله أنه سيرزقها خيرا منه ،  تحمل بداخلها الاحترام و التقدير لشخصه ، تعلم أنه شاب ذو خلق حسن لكنه يحمل بين يديه   مشكلة واحدة أنه لم يستطع التحكم بمشاعره القديمة تفهمت ذلك و عذرته ، كلما اقترب الحزن لها لجأت لله سبحانه و تعالى بدعاء بقلب مكسور ، حمدت الله كثيرا، الصبر كان يزرع الطمأنينة و التفاؤل لحياة أفضل بزوج تنال منال قلبه  ، أما خالد كانت قضبان الحسرة و الندم تحيط به  و مضى شهران ، إذ بوالد منال بدقات خفيفة يدق باب غرفتها ، بابتسامه قدم لها كيسا أبيض ففتحته فوجدت اسم المتقدم لها أحمد ! كان توفيق لها من الله جعله زوجا صالحا يحمل قلبها بين يديه