المكافأة

 

كان صمتها الموشح بالهدوء يفصح عن مكنون آلامها , وعيناها الحائرتان ترسل أحزانها لتسكب دموعها على فؤادها الملتهب بغدر الأيام والليالي .

جلستُ بجانبها لعل لمسة يدي الحانية تمسح دموعها , وخفت يدي تلتقط أحزانها .

غصتُ في صمتها المدجج بالرهبة .

افترشتُ صمتها , وقلبتُ سنوات عمرها , وطوعتُ نفسي وساعدني عقلي على قراءة طيات سجلها حتى يفهم قلبي حقيقة صمتها , ويستوعب عقلي ألم معاناتها وسر بريق عيناها المتوجة بالدموع .

ويقع نظري على مراحل حياتها .

ويبدأ عقلي في قراءة أطوار حياتها المختلفة من عمرها المديد .

طفولة مريحة متوجة بالحب والأمل وحياة مرسومة بشقاوة الأطفال وبراءتهم الملائكية , وبسماتهم الشفافة لتختزن في ذاكرتها أحلا سجل في حياتها .

ويدخل خط حياتها ابن عمها من ذوي الاحتياجات الخاصة , وتودع حياة الطفولة مبكرًا , وهي تزهو بثوبها الأبيض , ويجهل عقلها البريء معاني مايحدث .

ويفتح لها ابن عمها باب الشقاء على مصراعيه , وتخلع أفراحها وسعادتها كما خلعت ثوبها الأبيض .

وكما أن ثوبها الأبيض لم يدوم على جسدها إلا ساعات قليلة كذلك براءة طفولتها خلعتها قبل موعدها بكثير .

وتلبس جلباب الزوجة الوفية المخلصة , وجلباب الأم في نفس الوقت وتتحمل مسؤولية الاهتمام والرعاية بأبناء عمومتها الصغار , تحت وطأة العيش الكفيف راضية بماقسمه الله تعالى لها في هذه الحياة .

ويدق أجراس الفرح قلبها وتتضاعف جهودها في العناية والاهتمام بذريتها . وينشأ الأولاد على المحبة والوفاء , بجهودها الفردية صالحين بارين بها ومثمنين تعبها وسهرها , حتى أبناء عمومتها لم يجحدوا فضلها وبرها بهم أثناء تربيتها لهم .

وبعد إن سارت سفينتهم إلى بر الأمان وكون كل فرد أسرة سعيدة بلمستها الحانية عليهم , وكذلك أبنائها ساروا على نهج أعمامهم .

وتستمر حياتها في السير بعد هذا العطاء الفائض من الحنان .

ويخلد جسدها للراحة , وتحلق روحها في الهواء الطلق , لتفرش لها حياة وردية في مخيلة أحلامها .

وتتصارع المفردات بين ناظريها .

بعد هذا التعب والشقاء من حقكِ أن تأخذِ قسط من الراحة والاستجمام !!

كل يوم في بلد !!

أن تقضي الصيف في مكان والشتاء في مكانٍ آخر !!

أن تتنعمِ بكل مباهج الحياة !!

دور الآخرين الآن لخدمتكِ !!

أعطيتِ الكثير الكثير والآن وقت المكافأة !!

وتصطدم أحلامها بأرض الواقع المر بل أمر من المر .

صديقتها وأحبهم على قلبها , تقطع خلوتها .

ووطأت الأرجل الصناعية لزوجها وصوته الجهور أعادت عقلها إلى أرض الواقع .

لتكتشف بأنها قد تقاعدت من الحياة الزوجية مبكرًا كما دخلتها مبكرًا .

وهذه مكافأة نهاية الخدمة زوجتي الثانية !!!