الحب العائم

رتبت أوراقها ولملمت حتى قصاصة الورق , فكل ورقة لها معنى .

 وكل كلمة لها قيمتها والوقت عندها أغلى من كل غالي .

وغادرت منزلها , وسارت بخطى ثابتة واثقة ومدركة إلى كل ما يدور حولها .

 تخفي أوراقها في حقيبتها , لا عن عيب فيها بل لما تحمله الأوراق من معاني ,

 ليضل رأسها في قمم الجبال بين أفراد مجتمعها .

جلست على الكرسي بمفردها تقلب أوراقها .

لا أفكارها وتعيد شريط ذكرياتها .

 ووقع نظرها على شخص آخر بالقرب منها , وهو يقلب سُبحته .

قالت في نفسها : ربما تعب من تقليب أفكاره , فتحول إلى تقليب سبحته .

حانت منه اِلتفافة ورأى نظرها وإبحارها في ذاكرتها وتركيزها على سبحته .

أقترب منها مع البقاء على مسافة الحياء بين الجنسين .

تبادلا التحية وبادرها بالسؤال , عن سبب تواجدها في مكان لا يليق بشأنها ,

وأن لم يقلل من مكانتها .

لتجيب على السؤال بسؤال مثله .

وبكبرياء وغرور الرجل قال : تواجدي هنا أمر طبيعي ,

 فأنا رجل وأجلس في مكان قل ما تتواجد فيه جنس لطيف .

قالت : هل أنت موظف في هذه الدائرة ؟

أم غير ذلك ؟

قال : ورأسه ناطح السحاب شموخًا .

لا لست موظفًا في هذه الدائرة ولا في دائرة أخرى , أنا غير ذلك .

قالت : ماذا تقصد ؟ قال : أنا رجل أعمال تحت يدي مئات الموظفين .

قالت : حضرت لتراجع سجلك التجاري ؟

أم تبحث عن أحد موظفيك ؟

قال : الحمد لله سجلي التجاري لا يمسه غبار , وجميع الموظفين يتفانون في خدمة المؤسسة .

قال : هل من حقِ أن أسأل ؟

قالت : تسأل عن ماذا ؟

قال : عن حضورك في هذا المكان ؟

أم أنه خط أحمر يجب عدم تجاوزه ؟

قالت : خط أحمر ومغلق بالشمع , وأسرار أسرية , يشيب الرضيع بمجرد سماع العناوين .

وتكسر الظهر عند سماع التفاصيل .

وعمرها أضعاف سنين يوسف u  .

قال : هل من رؤوس أقلام حتى ولو من بعيد ؟

قالت : اشتريته بأغلى الأثمان , وهجرتُ القصور والعز والدلال .

وقتنصى أول فرصة له لتخلص مني .

وبكل جبروت الرجال وتغطرس العظماء .

ولم يكتفي بذلك بل ما زالت سهامه موجهة نحو نحري .

قال : وما سبب الحضور اليوم إلى هنا ؟

تنهدت ودمع قلبها , وقالت : غروره وجهله زجا بي إلى هذا المكان .

ونعت غربانه على نعيه , لتحطم حتى الذرات الباقية من جسمي .

وتضيف الساعات على المعاناة ولكن بالأعوام .

قال : قضيتك بسيطة ولا تخلو من بيت .

 وأن اختلفت في التفاصيل فهيا تتقاسم النتائج .

جبروت الرجل , ونظرت المجتمع إليه زادت من حب الأنا في داخل نفسه .

 وتزداد قوته على كل كائن ضعيف تحت برلمان قبته .

وحقوق المرأة وأن نضج عقلها وعلمها فلا تزال تجهل أكثر حقوقها .

وسالت قطرة دمعة من عينيه وبللت لحيته التي لا يتجاوز شعرها الأسود كفة أصابع اليد .

قالت : وفي محياها سرور وعلى شفتيها قهقه أخمدتها قبل أن تنبعث .

ساءك حالي ؟

وهل أنت رجل من نوع أخر ؟

أنت مثلهم ينظر إلى المرأة على أنها مخلوق ضعيف .

 يجب أن تدفن تحت قبته وتلبي جميع أهوائه .

 وإلا كان مصيرها مثلي تسعى بين الصفا والمروة أقصد !!!

قال : لا فدموع الرجال غالية .

وذرفها ليس بالأمر السهل ؟

والبوح بها أمام الآخرين أمر صعب على نفسي .

وكلامه زاد في حيرتها وفضولها .

 للمعرفة فعقلة خبأ أكثر مما خبأ الشماغ والعقال .

قالت : وما هذا الأمر الصعب ؟

قال : بهدوء العواصف وبطء الأمواج . ألم أقل لكِ بأن قضيتك في كل منزل ؟

قالت : نعم . لم أفهم ؟

قال : أنا مثلكِ ولكن مع تبادل الأدوار .

قالت : ماذا تقصد من هذه العبارة ؟

قال : ببراءة الطفولة أنا أتقنت دورك في هذه الحياة .

لتسحب شيبتي التي شيبتها قبل أوانها من دائرة إلى أخرى .

أن كيدكن عظيم .

ومرارة كيدها في حلقي , وتسبح في كل شراييني .

قالت : أنت رجل ومن طبع الرجال تحمل الشداد وخوض الأهوال .

قال : صدقتي الرجل أربط جأشًا من المرأة .

ولكن أن ينسلخ الحمل الوديع إلى ذئب متوحش , وتهان رجولة الرجل وكرامته , فذلك ليس بالأمر الهين .

قالت : أنت رجل وبيدك القرار وفصل كل  المعاناة .

قال : نعم . أنا أملك القرار , وهذا القرار سيكسر بلورات الأمل , التي تنير حياتي ودافعي في الحياة للكفاح والنجاح .

قالت بصوتها الأنثوي أنت رجل من الخارج تملك العقل الراجح وقلبك ينبض ببراءة الأطفال . وألمك فاز على ألآم النساء , وحزنك أعمق من حزن الفاقدة على أبنائها .

وحيرتك أعمق وأحد من السيف , التي تتعافى مع الوقت .

وجرحك ينبض بالآهات كل ثانية .

قال : هل أُنير طريقك ؟

قالت : نعم تفضل .

قال : تجلدي بالصبر وسيري في حياتك , ولا تنظري إلى ورائك أبدًا .

 إلا لأخذ الحيطة والحذر .

وأن سلب القدر منك كل شيء .

فلا تدعي المحنة تكسر النور الذي يملأ قلبك .

قالت : نصيحتك ونأنقطع الحديث وغادرت المكان إلى القاعة .

يتبع .