تخطيط الحركة المرورية

 

 

العرب من اكثر الشعوب حبا في التنقل لطبيعة سكنهم في الجزيرة العربية التي يغلب عليها التصحر مما جعل أغلبهم يعيشون حياة البداوة ، ينتقلون بحيواناتهم من مكان لآخر طلبا للماء والكلأ.  وكلما ضربهم الجفاف الشديد فإنهم يلجئون للهجرة بين فينة وأخرى شمالا بإتجاه وادي الرافدين والشام فيما يعرف بالهجرات السامية.

شخص الانسان حاجته للتنقل عبر العصور وكانت تنقلاته في البداية مشيا على الأقدام ، ثم إستأنس الحيوانات الأليفة وبدأ بإمتطائها في تنقلاته وحمل أمتعته.  مع تطور الحياة صنع الإنسان العربات لتجرها الدواب كالحمير والبغال والخيل ، ثم السفن لعبور البحار ، ثم القطارات والسيارات والطائرات والسفن الفضائية.

تأريخ الطرق الحديثة بالمنطقة الشرقية بدأ بداية بسيطة جداً ولكن مبكرة على مستوى المملكة من خلال شركة الزيت العربية الأمريكية "أرامكو" في ذلك الوقت.  أتبع ذلك تأسيس فرقة حكومية للصيانة في عام 1382 هـ وكان مقرها الدمام وينحصر عملها في صيانة الطرق المسفلتة في ذلك الوقت مثل طريق الدمام - الخبر وطريق القطيف - جزيرة تاروت.  ثم طورت فرقة الصيانة لتتحول في عام 1402 هـ إلى الإدارة العامة للطرق بالمنطقة الشرقية ، ثم في عام 1417 هـ الى الإدارة العامة للطرق والنقل بالمنطقة الشرقية.

تحضي الطرق في العصر الحاضر بإهتمام بالغ وترصد لها ميزانيات ضخمة لأهميتها في التنقل بيسر وسهولة.  تتسلسل الطرق هرميا الى أربع درجات رئيسية وهي:

  • الطرق السريعة: وهي متعددة المسارات وذات إتجاهين منفصلين ، تقاطعاتها ذات مستويات متعددة لتلافي تقاطع السيارات وتسهيل الإنتقال منها وإليها او الإنتقال فيما بينها.  تربط هذه الطرق الدول والمناطق والمدن المختلفة ، وقد تخترق التجمعات السكانية وخصوصا في المدن الكبرى مثل الرياض ، وتصل السرعة فيها الى 120 كيلومتر في الساعة وربما أكثر من ذلك في بعض البلدان.
  • الطرق الشريانية: وهي في العادة مداخل المدن والبلدات وتكون في الغالب متعددة المسارات وذات إتجاهين منفصلين ، تقاطعاتها ذات مستويات متعددة ولكنها قد تحتوي على تقاطعات في مستوى واحد يتم التحكم فيها بالإشارات الضوئية أو الدوارات أو غيرها من الوسائل.
  • الطرق التجميعية: وهي في العادة تربط بين الأحياء المختلفة ، وضيفتها نقل السيارات من الأحياء الى الطرق الشريانية.  تتفاوت إتساعات هذه الطرق حسب كثافة الحركة المرورية وبعضها قد تتعدد فيها المسارات وربما تكون ذات إتجاهين منفصلين.  تحتوي هذه الطرق على تقاطعات في مستوى واحد يتم التحكم فيها بالإشارات الضوئية أو الدوارات أو غيرها من الوسائل.
  • الطرق المحلية: وهي داخل الأحياء ، وضيفتها نقل السيارات من داخل الأحياء الى الطرق التجميعية.  أغلبها ذات مسار واحد في كل إتجاه ، وتحتوي على تقاطعات في مستوى واحد يتم التحكم فيها بالإشارات المرورية الغير ضوئية.

لا شك أن الوضع تغير تماما مع التزايد المضطرد للسكان في المنطقة بحيث أصبحت الحركة الآن أكثر تعقيدا.  لقد مرت بلادنا بكثير من التغييرات الغير مدروسة تم فيها تصميم المخططات المختلفة وكأنها كانتونات منفصلة مما تسبب في ارباك الحركة المرورية بين الأحياء المختلفة.  وبالرغم من الإمكانات العلمية والمالية إلا أن طرقنا الحديثة تفتقر إلى التصميمات المدروسة بعناية والتنفيذ الجيد ومقومات السلامة المرورية.

المشكلة القائمة حاليا أن كثير من الطرق تم تنفيذها بناء على احصاءات وافكار تخطيطية قديمة ، لذا فإن كثير من الشوارع لم تعد قادرة على استيعاب الحركة المرورية وخصوصا في فترات الذروة.  كما تم إغفال مبدأ مهم وهو كون حركة الأنسان ، وليس السيارة ، المحور الأهم الذي يجب مراعاته عند تخطيط الشوارع وخصوصا داخل الأحياء السكنية ، بحيث يتم توفير المستلزمات الضرورية لحركة المشاة وسلامتهم.

  • مدينة القطيف ، على سبيل المثال ، تعاني من عدة مشاكل مرورية منها الآتي ، راجع مقال: "شارع أحد... والدور المطلوب من البلدية؟":
  • وجود طريق شرياني واحد فقط يربط مدينة القطيف وما حولها إضافة لجزيرة تاروت بالطرق السريعة ، رغم الكثافة السكانية العالية بها.
  •  وقوع المباني التجارية على جانبي هذا الطريق الشرياني بدون مساحة ارتداد كافية لشوارع خدمة او حتى لمواقف السيارات وتنظيم لانسيابية الحركة بين المواقف والطريق.
  • لم يراعى عند تخطيط هذا الطريق الشرياني التطور العمراني المستقبلي ولم يخصص له أي مساحة جانبيه للتوسع في المستقبل.
  • غياب التخطيط السليم تسبب في عدم إلتقاء جميع الطرق المتجهه شمال وجنوب الطريق الشرياني ، ما أدى إلى تقارب الإشارات الضوئية نتيجة لكثرة التقاطعات وبالتالي إختناق الحركة المرورية على الطريق وإرباك الحركة بين شمال المدينة وجنوبها.
  •  مدينة القطيف القديمة ، المحصورة بين شارعي أحد والرياض ، لا يوجد بها رغم اتساعها سوى شارعين للحركة بين الشرق والغرب وهما متقاربين ومتعاكسين في الاتجاه.
  • صعوبة حركة السيارات والمشاة في القرى والبلدات وأحياء المدن القديمة ، نتيجة لغياب التخطيط السليم المتوافق مع ما طرأ من تغييرات عبر الزمن في الحركة المرورية.
  • خلو أغلب الأحياء الحديثة من أرصفة للمشاة وأسواق للبيع بالتجزئة وساحات لملاعب رياضية وترفيهية.

لم يعد مقبولا في وقتنا الحاضر إنشاء الطرق وفق الآليات القديمة فنتيجتها ستكون في الغالب المزيد من الإختناقات المرورية داخل وخارج المدن.  تخطيط الطرق يستدعي إجراء تعداد إلكتروني دقيق لحركة السيارات لجميع المسارات يمتد لعدة أيام وعلى مدار الساعة ، على الطرق موضع الدراسة ، وكذلك تعداد الحركة على تقاطعات هذه الطرق بجميع مساراتها في فترات الذروة.  بعد ذلك يتم إستعمال البرامج العلمية الحديثة التي من خلال تلقيمها بإحصاءات الحركة المرورية الدقيقة ، وتوقعات الزيادة في الحركة ونوعها على المدى المنظور ، فإنها قادرة على تحديد مسارات وسعة ومواصفات الطرق المراد إنشائها او تحسينها.

تصميم الطرق ينبغي أن يراعى فيه توفير أكبر قدر من السلامة والراحة والمزايا الجمالية ، والمستلزمات لجميع خيارات الحركة المتعددة من مشاة ودراجات ونقل عام وسيارات خاصة.  التصميم المثالي للشوارع يبدأ بتلبية متطلبات المشاة بتوفير المساحات المفتوحة والمرافق الخدمية والتظليل ، وتعزيز الترابط ما بين الطرق ، وتوفير مساحات كافية لمواقف السيارات. 

ينبغى التوجه لفكرة الأحياء السكنية المتكاملة المجهزة بمحطات نقل عام ومحلات تسوق وحدائق.  كذلك ينبغي الإهتمام بتعزيز السلامة المرورية لكافة مستخدمي الطرق ، بتجزءة كل حي سكني الى قطاعات يربط بينها طريق حلقى ، مع توفير مدخل لكل قطاع تكون نهايته مسدودة.  هذا الإسلوب يدمج بين التصاميم المتبعة في المدن القديمة بما يميزها من هدوء وبين الحداثة ووصول السيارة الى كل بيت داخل الحي.  كذلك فإنه يوفر لكل قطاع الحركة من المسكن الى كافة أرجائه ، ويضمن وصول الأطفال الى الحديقة والمدرسة عن طريق ممرات للمشاة آمنه ورحبة ومظللة لا تتقاطع مع طرق السيارات.

علينا أخذ الأمر بشكل جدي فالأزمة المرورية تتفاقم بشكل متسارع ، ولتفادي الأخطاء التي حصلت ، يجب أن نولي اهتماما اكبر بعملية التخطيط السليم للطرق بمختلف أنواعها وما يتبعها من مواقف للسيارات وخلافه لضمان إنسيابية الحركة والسلامة المرورية.