فواطم حول أمير المؤمنين

 

 

 

تمر علينا هذه الأيام الذكرى العطرة لميلاد أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام المولود في جوف الكعبة في يوم الجمعة 13 رجب، قبل البعثة النبوية باثنتي عشرة سنة.  والده هو «أبو طالب» المعروف بشيخ الأبطح وسيد البطحاء وهو أخ شقيق لوالد رسول الله «عبد الله» وأمهما تدعى فاطمة بنت عمرو بن مخزوم، و والدته هي «فاطمة بنت أسد».  وجده لأبيه هو «عبد المطلب» من عائلة شريفة من نسل نبي الله إبراهيم الخليل عليه السلام وقد دانت له قريش بالفضل والسماحة والكرم والسؤدد.

سبق الإمام علي إلى الإسلام، ونال درجة من الإيمان لا تعلوها إلا درجة أخيه رسول الله

قال فيه الرسول الكثير ومن ذلك: "أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد المدينة فليأت الباب"، وكذلك: "لو أنّ الرياضَ أقلام، والبحرَ مِداد، والجِنّ حُسّاب، والإنس كُتّاب، ما أحصَوا فضائلَ عليّ بن أبي طالب".  وقال فيه يوم غدير خم: "من كنت مولاه فهذا علي مولاه".  وقال فيه الإمام الحسن عليه السلام: "محمد وعلي أبوا هذه الأمة، فطوبى لمن كان بحقهما عارفا، ولهما في كل أحواله مطيعا، يجعله الله من أفضل سكان جنانه، ويسعده بكراماته ورضوانه".

الإمام علي مثال يحتذى به لتشجيع المعرفة وتأسيس الدولة على مبادئ العدالة واحترام حقوق الإنسان، كما جاء في تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الخاص بحقوق الإنسان وتحسين البيئة والمعيشة والتعليم.  اشتمل التقرير على مقتطفات من التعاليم التي أوصى بها الإمام ومنها ضرورة المشورة بين الحاكم والمحكوم، ومحاربة الفساد الإداري والمالي، ومنح العدالة لجميع الناس، وتحقيق الإصلاحات الداخلية.  واحتوى التقرير مقتطفات من وصايا الإمام ومنها: "أن مَنْ نَصَبَ نَفْسَهُ لِلنَّاسِ إِمَاماً فَلْيَبْدَأْ بِتَعْلِيمِ نَفْسِهِ قَبْلَ تَعْلِيمِ غَيْرِهِ، وَلْيَكُنْ تَأْدِيبُهُ بِسِيرَتِهِ قَبْلَ تَأْدِيبِهِ بِلِسَانِهِ، فمُعَلِّمُ نَفْسِهِ وَمُؤَدِّبُهَا أَحَقُّ بِالإِجْلالِ مِنْ مُعَلِّمِ النَّاسِ وَمُؤَدِّبِهِمْ".  وفي وصية لواليه مالك الأشتر: "ولا تكونن عليهم سبعاَ ضارياً تغتنم أكلهم فإنهم صنفان: إما أخ لك في الدين وإما نظير لك في الخلق".  ويقول أيضا: "لا يصلح شان الناس إلا  بالتعايش والتعاشر"، وأيضا: "مَنْ استبد برأيه هلك ومَنْ شاور الناسَ شاركها في عقولها".  وفي مجال التعليم: "وَأَكْثِرْ مُدَارَسَةَ الْعُلَمَاءِ وَمُنَاقَشَةَ الْحُكَمَاءِ فِي تَثْبِيتِ مَا صَلَحَ عَلَيْهِ أَمْرُ بِلادِكَ وَإِقَامَةِ مَا اسْتَقَامَ بِهِ النَّاسُ قَبْلَكَ".  وعن أهمية التقدم العلمي: "ولا وعاء أفضل من العلم".

أحاط بالإمام علي مجموعة من الفواطم منهم: والدته «فاطمة بنت أسد»، وزوجته «فاطمة الزهراء» بنت رسول الله، وزوجته بعد وفاة الزهراء «فاطمة بنت حزام».

فاطمة بنت أسد عليها السلام:

هي والدة الإمام علي وقد إحتضنت الرسول ورعته بعد أن كفله عمه أبو طالب، وأولته عناية خاصة وكانت تؤثره على أولادها في المطعم والملبس.  ويروى أن أبا طالب لما أتاها بالنبي قال لها: اعلمي أن هذا ابن أخي، وهو أعز عندي من نفسي ومالي، وإياك أن يتعرض علَيه أحد فيما يريد، فتبسمت وقالت: توصيني في ولدي محمد وإنه أحب إلي من نفسي وأولادي؟!

فاطمة بنت أسد هي من السابقين إلى الإيمان، وكان الرسول يكرمها ويعظمها ويدعوها أُمي.  عند وفاة أم المؤمنين خديجة بنت خويلد عليها السلام، كان عمر الزهراء لا يتجاوز خمس سنوات، وكانت أحوج في طفولتها الغضة إلى صدر حنون تأوي إليه، وقلب رحيم ودود يعوضها، ولم يكن ذلك الصدر الحنون والقلب الرحيم الودود سوى صدر فاطمة بنت أسد. 

نقل المؤرخون أنها توفيت وعمرها 65 عاما، وعندما جاء الإمام علي ليخبر النبي بوفاتها، قائلا: أمي ماتت، أجابه

فاطمة الزهراء عليها السلام:

شخصية البتول الطاهرة السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام من الشخصيات الهامة في التاريخ فهي خير نساء العالمين من الأولين والآخرين.  وهي بنت رسول الله

مكانة الزهراء عند الرسول عظيمة فقد روى أنه إذا رجع من غزوة أو سفر أتى المسجد فصلى فيه ركعتين ثم ثنى بفاطمة عليها السلام، ثم يأتي أزواجه.  كما روي أن النبي

قصة زواج الزهراء فيها الكثير من العبر فقد أختير الإمام علي من دون الصحابة الذين ألحوا على الرسول كثيرا ليظفروا بمصاهرة نبيهم ولكنه أبى.  وعندما أتى الإمام علي الرسول قائلا: فاطمة تزوجنيها؟ أتى

سيرة الزهراء عظيمة فهي بحق المرأة المثالية وقدوة لنا جميعا فهي السباقة إلى كل الفضائل وجميع الحسنات.  وهي "أم أبيها" حيث كانت بمنزلة الأم لرسول الله، كما أنها خير زوجة، وفي هذا يخاطبها الإمام علي: "أنت اعلم بالله وأبر واتقى وأكرم وأشد خوفا من الله أن أوبخك غدا بمخالفتي".  وكانت خير أم فكانت تقوم بشؤون أبنائها وتربيتهم وتغذيهم بالفضيلة والتقوى، وقد ورد إنها كانت تستفسر الإمام الحسن عليه السلام عند رجوعه من المسجد، وكان طفلاً صغيراً، عن كلام جده رسول الله وخطبته في المسجد.  وكانت تهيئ أولادها لمختلف ميادين العبادة والجهاد، وتعتني بخدمتهم الجسدية من غسل وكنس وطبخ ونسج وغير ذلك.

قال

فاطمة بنت حزام عليها السلام:

فاطمة بنت حزام من سادات العرب وأشرافهم وزعمائهم وأبطالِهم، وأبوها حزام بن خَالد بن ربيعة.  وهي زوجة الإمام علي بعد وفاة الزهراء وتكنى بأم البنين وكانت مثالاً شريفاً بين النساء في الخلق الفاضل الحميد.

أراد الإمام علي أن يتزوج من امرأة تنحدر عن آباء شجعان كرام، ليكون له منها بنون ذوو خصالٍ طيبة عالية.  فطلب من أخيه عقيل، وكان نسابة عارفا بأخبار العرب، أن يختار له امرأة من ذوي البيوت والشجاعة.  فأجابه عقيل قائلا: أخي، أين أنت عن فاطمة بنت حزام الكلابية، فإنه ليس في العرب أشجع من آبائها.  ثم مضى عقيل إلى بيت حزام ضيفا فأخبره أنه يخطب ابنتَه الحرة إلى علي.  فلما سمع حزام ذلك هش وبش فرحا بمصاهرة ابنَ عم المصطفى

أم البنين من النساء الفاضلات، وكانت فصيحة بليغة ورعة ذات زهد وتقى، تميزت بالوفاء فعاشت مع أميرِ المؤمنين في صفاء وإخلاص، وعاشت بعد شهادته مدة طويلة لم تتزوج من غيره.  وذكر بعض أصحاب السير أن شفقتها على أولاد الزهراء وعنايتها بهم كانت أكثر من شفقتها وعنايتها بأولادها الأربعة - العباس وأخوته - عليهم السلام.

وبعد عمرٍ طاهر قضته أم البنين بين عبادة لله سبحانه وتعالى، وصبرها على ما مر بها من فجائع مذهلة بشهادة زوجها أمير المؤمنين في محرابه وأبنائها الأربعة في ملحمة عاشوراء الحسين عليه السلام، توفيت في 13 جمادى الآخرة سنة 64 هـ.

أختم بأبيات من قصيدة في الإمام علي عليه السلام للشاعر اللبناني المعروف (جوزيف الهاشم):

نِعْمَ العليُّ، ونعمَ الاسمُ واللقبُ             يا منْ بهِ يشرئبُّ الأصلُ والنسَبُ

الباذخانِ: جَناحُ الشمس ظِلُّهما            والهاشميّان: أمُّ حرّةٌ وأَبُ

لا قبلُ، لا بعدُ، في "بيت الحرام"، شَدَا        طِفلُ، ولا اعتزَّ إلاَّ باسْمِهِ رجَبُ

يومَ الفسادُ طغى، والكُفْرُ منتشرٌ            وغطْرسَ الشِرْكُ، والأوثانُ تنتصبُ

أَللهُ كرَّمهُ، لا "للسجود" لها            ولا بمكّة أصنامٌ ولا نُصُبُ

منذورةٌ نفسهُ للهِ، ما سجَدَتْ            إلاّ لربّكَ هامٌ، وانطَوْتْ رُكَب