الحروف العربية ثمانية وعشرون حرفًا أم تسعة وعشرون ؟

 

 

 

تدور في أوساط المعلمين والمعلمات والآباء والأمهات وكل المهتمين بالشأن التعليمي تساؤلاتٌ عن عدد الحروف الهجائية، فهم عند تعليمهم لتلاميذهم يخبرونهم   بأن الحروف الهجائية هي ( أ – ب – ت - ....) ، ولكنهم ما يفتؤون  أن يسألوا أنفسهم لماذا نقول ( ألف ) ونحن ننطقها ( همزة ) ؟ أليس الأولى أن نذكر الحروف هكذا ( ء – ب – ت - ...) ؟

وقد سمعت ذلك كثيرًا بين أوساط المعلمين في المرحلة الابتدائية ، وكذلك تصلنا تساؤلات من أولياء أمور الطلبة  عن القضية نفسها ، وعليه لمّا كثرت الأسئلة والحوارات بين المهتمين بالشأن التعليمي عقدت العزم أن أبحث هذه المسألة من الجذور ولو بشكل مختصر ، لعل الأخوة المعلمين يجدون فيه إجابةً  عن أسئلتهم وكان بحثي على النحو الآتي :


مقدمة :
تمّ اختراع الحروف الهجائية في عهد الكنعانيين ، وقد أخذ الفينيقيون هذه الحروف عنهم ، ثم أخذ الآراميون الذين اشتهروا بالخط الآرامي  عنهم هذه الحروف أيضًا ، وقد أخذ عنهم أيضًا الأنباط الذين اشتهروا بالخط النبطي ، وعن طريق الأنباط انتقلت هذه الحروف إلى أهل الأنبار ، وبعدها إلى أهل الحيرة ، ثم لما كانت هناك علاقات تجارية بين أهل الحيرة وأهل الحجاز تأثر الحجازيون بهم وأخذوا عنهم هذه الحروف ، وقد مرت هذه الحروف بتطورات عدة حتى وصلت إلى الشكل الذي عليه اليوم . وقد وقع الخلاف بين العلماء في عدد الحروف وكان ذلك على رأيين، نذكرها على النحو الأتي:

1-  

الرأي الأول :
يقول إن عدد الحروف الهجائية ثمانية وعشرون حرفًا ؛ وذلك لأنهم يرون أن الهمزة هي الألف نفسها ، ولهم عدة تحليلات لذلك :

من هؤلاء المبرد الذي يرى أن الهمزة هي الألف ؛ إذ كان يرى أن الألف إذا تحركت كانت تسمى همزةً ، وإذا لم تقبل الحركة تسمى ألفًا ، وهذا الرأي ذهب إليه أيضًا أستاذنا الدكتور ( أبو أوس إبراهيم الشمسان ) ، حيث كان يرى أن الألف هو رمز الهمزة ؛ إذ قال ليس للمدور رموز خاصة بها ، فاستعيرت الواو رمزًا  لمد الواو ، واستعيرت الياء رمزًا لمد الياء ، واستعيرت الهمزة رمزًا لمد الألف ، فلمّا خُشِي اللبس بين الألف المد والهمزة في وسط الكلمة ونهايتها جُعِل فوق الألف القطعة ( ء ) ، فصار لدينا رمزان كتابيان هما ( أ / ا ) ، وقد أثبِت رمز الألف المد في الألفبائية لاختلاف صوته عن الهمزة ، بخلاف مد الواو والياء اللذين لا لبس فيهما . وهذا هو نفس رأي الخليل بن أحمد الفراهيدي الذي جاء برمز ( ء ) للتفريق بين الألف المد والهمزة ، ممن أيّد هذا الرأي أيضًا الفراء الذي يرى أن الهمزة هي الأصل ، وإن الألف هي الهمزة مع ترك همزتها ، وقال السيوطي في ( همع الهوامع ) نقلاً عن حاشية الكشاف للتفتازاني : أنهم قالوا إن الألف على نوعين : اللينة وهي التي تسمى ألفًا ، ومتحركة وهي التي تسمى همزة . وقد أيّد هذا القول ابن هشام في ( المغني ) حيث كان يرى أن الألف مشترك بين الهمزة وألف المد ، وأيدهم من المعاصرين عباس حسن صاحب كتاب النحو الوافي في كتابه ( خصائص الحروف العربية ومعانيها ) ، وكذلك فعل صاحب كتاب ( جامع الدروس العربية الشيخ مصطفى الغلاييني ) حيث يرى أن الهمزة لا صورة لها في الخط ، ولذلك لم يراعوا في كتابتها هجاءها إلا إذا ابتدئ بها . ومن أدلتهم على أن الهمزة هي الألف قولهم : إن الألف سابقة في الإملاء ثم أضيفت القطعة ( ء ) على الألف للتفريق ؛ وعليه تكون الألف هي صوت الهمزة ؛ وذلك لأن كل حروف الهجاء يدل أول حرف في أسمائها على الصوت الذي تحمله مثل ( الياء = ي) ، ( الباء = ب ) ، وبناء على ذلك تكون الألف مثلها ، فأول حرف فيها ( أ ) وهو صوت الهمزة . ومن أدلتهم أيضًا قولهم إن الألف لها صورتان مثل التاء المفتوحة والتاء المربوطة اللتين لهما مواضع خاصة تكتب فيه كلٌ منهما. ومن أدلتهم أيضا استشهاد بعضهم بقصة المتنبي مع الغلام الذي تحدى المتنبي بأن يأتي بحرف زائد عن الثمانية والعشرين.

2-  

الرأي الثاني :
يرى عدد الحروف العربية تسعة وعشرين حرفًا ، وذلك لقولهم : إن الألف حرفٌ مستقل بذاته ، وكذلك الهمزة مستقلة بذاتها ، وعلى رأس القائلين بهذا الرأي ( سيبويه ) الذي يرى أن الحروف تسعة وعشرون حرفا كما جاء في ( الكتاب ) ، وأيّد هذا أيضًا ابن سنان الخفاجي في ( سر الفصاحة ) ، ومن هؤلاء ( ابن جني ) وكان يقول الهمزة غير الألف ، وكان يسمي الألف بــ( لا ) ، وهي عنده قبل ( الياء ) في ترتيب الحروف . ومنهم أيضا الإمام مكي بن أبي طالب في كتابه ( الرعاية ) ، وكذلك أبو عمر الداني في كتابه ( نقط المصاحف ) ، إذ قال وإنما تقدمت الألف في ترتيب الحروف لأنها مرة تكون صورة لنفسها ومرة تكون صورة للهمزة  المتوسطة والمتأخرة . وقد نظم الشيخ أحمد الطيبي في كتابه ( النظم المفيد ):

( وعدة الحروف الهجاء....تسعُ وعشرون حرفًا بلا امتراء ). وأيّد هذا الرأي من المعاصرين إميل يعقوب في كتابه ( موسوعة الحروف ) .

ومن أدلتهم على أن الألف غير الهمزة أنهم قالوا إن الألف تختلف عن الهمزة في الصفات والمخارج والاسم ، لأن الألف حرف رخو ، والهمزة حرف شديد ، وأما عن الاسم ؛ فالهمزة اسمها معروف ( همزة ) ، وقد يطلق عليه أحيانًا اسم الألف مجازًا ؛ والسبب في ذلك أن الهمزة ترسم في أول الكلمة على ألف . أما الألف فإنهم لمّا أرادوا تسميتها مثل بقية الحروف، وجدوا أن الألف ساكنة ولا يصح البدء بالساكن ابتداءً فتعذر عليهم أن يجعلوا الألف أول اسمها، فأدخلوا ( اللام ) عليها كي يتمكنوا من نطقها فصار اسمها ( لا ) كما كان ابن جني يسميها. ومن أدلتهم أيضا أن الهمزة قابلة للحركة  والبدء بها بخلاف الألف التي لا تقبل الحركة ولا يبتدأ بها . وقد ردوا على القائلين بأنها ثمانية وعشرون حرفًا بقولهم : لو كانت الألف هي الهمزة فلماذا يتغير شكلها مرة على واو ، ومرة على ياء ,أخرى على السطر ، وأما قولكم عن سبب التسمية الألف ، فكذلك الهمزة بدايتها حرف ( الهاء) .

وفي الختام بعد أن عرضنا آراء العلماء وأدلتهم في ذلك فلا ينبغي أن نحكم بخطأ من يقول بأحد الرأيين؛ لأننا وكما رأيتم في كلا الرأيين علماء كبار يؤخذ برأيهم. ولكنني أميل إلى كونها ثمانية وعشرين حرفًا ؛ وذلك رغبةً في التسهيل على المتعلمين ، وأخيرًا آمل أن أكون قد وضعت أمام القارئ الكريم تصورًا لتلك القضية .

معلم لغة عربية بمدرسة السلام الابتدائية بسيهات .