نصرة الرسول ونصرة الأجندات

 

 

 

 

 

الحدث صاعق لكل مسلم، بل لكل مؤمن بديانة من الديانات السماوية، لأنه يسمح بتطاول مماثل من هذا الطرف أو ذاك على مقدس محترم في هذه الديانة أو تلك، تحت مبررٍ واهٍ هو حرية التعبير عن الرأي.

لأسبوع متواصل والمسلمون في أكثر من بلد يحتجون ويرفضون الإهانة التي وجهتها تلك الدقائق المقتطعة من الفيلم السيء الصيت، والتي تداولتها التلفونات الذكية، فأوجدت شعوراً بالإهانة والمذلة والتحقير، وتجاوز الخطوط الأدبية والأخلاقية والإنسانية في التعامل مع مقدسات الدين الإسلامي.

تساءلت مع نفسي، هل كل من خرج كان غرضه الدفاع عن الرسول محمد فقط، أم أن بعضهم كانت له أجندات أخرى، وقد استفاد من الحدث وعمد إلى مفاقمته، ولو استطاع استدامته لفعل؟ كانت أجندة العداء لأميركا وتأجيجه في المنطقة حاضرة، وكان الحدث محفزاً قوياً ومغرياً، وربما سعت أطراف كثيرة لخدمة هذه الأجندة.

كان صرف النظر إعلامياً عن بعض الأحداث الأمنية والسياسية في هذه المنطقة أو تلك، والتخفيف من الضغوط الموجهة مطلباً قائماً، فتحرّك هذا الهدف وترجم ميدانياً في المزيد من التأجيج وإثارة الحماس ليتحقق المطلب الرئيس، وينشغل الرأي العام، وتخبو الأخبار الأخرى.

كان هناك من حاول تحريك الحدث وتوجيه الغضب، ونقله من غضب تجاه الفاعل الحقيقي، إلى غضب بين المسلمين بسبب ما في تراث هذه الجماعة أو تلك.

كانت هناك أهداف وأجندات أخرى، ولكن ما المانع أن تكون لأية جهة أجندتها وأهدافها، وفي مثل هذا الحدث تقف مع رسول الإنسانية وتناصره، وتدفع بأجندتها إلى الأمام؟ وما الضير في هذا التشارك؟ مبدئياً لا أتصور مانعاً في الأمر، ولا أقف هنا موقف الضد من هذا التصرف، بيد أن خوفي ووجلي هو أن تضيع النصرة للرسول، وتخبو هذه الهبّة الصادقة دون تركيز ومحورة حقيقية حول هدفها الرئيس وسبب اندلاع شرارتها.

لست أدري إن كانت الهبّات التي عايشنا أحداثها بعد رسم «كورت فسترغارد» للكاريكاتير المسيء للرسول في الصحافة الدنماركية، ثم انتهاؤها دون أن يتحقق شيء استراتيجي ومهم يمنع تكرر الإساءة التي عادت اليوم بصورة أقبح، لست أدري إن كان ذلك يبرّر وجلي من عدم تركيز الموضوع ومحورته حول الرسول؟

في شهر مارس/آذار من العام 2011 أشرف قس أميركي (تيري جونز) على حرق نسخة من المصحف خلال «محاكمة صورية للإسلام»، حينها قامت قيامة المسلمين في كل مكان، لكنها مرت دون أن تكسب مقدسات المسلمين حصانةً أو منعةً حقيقيةً تحول دون المساس بها مرةً أخرى.

لا يخالجني شك أن الملايين من الأمة قد خرجوا بقلوب طاهرة ونقية وحزينة ومكلومة لما نال شخصية الرسول من الفيلم المسيء، وأنهم هرعوا للدفاع عنه، لكن كل ذلك يحتاج إلى استثمار يعمل على تحويل ردّات الفعل العفوية إلى برامج عمل مستدامة، وهذا لا تتقنه إلا القلة الواعية والقادرة على ذلك من دول وجماعات وقيادات.

محورة القضية حول الرسول بعقلانية مبدعة، والعمل على نصرته باستراتيجية مدروسة، ووضع أهداف تمنع هذه التعديات مستقبلاً، كل ذلك سينصر الرسول، وسيسحب البساط من الذين يحاولون جرّ الأمة إلى هياج أحمق، يدفع القضية من حقٍّ يناصره كل متدين سماوي، وكل حر كريم في هذا الكون، إلى منطقة التشويه والنقد التي قد تؤكد بعض ما حاول طرحه الفيلم عن عنف الإسلام ودمويته.