تجريم الإساءة

 

 

 

يفترض أن تعلّمنا الطهر والكرامة والمحبة للغير، جعلناها حلبةً للسباب والتراشق بأقبح الألفاظ، وصنعنا حولنا هياجاً جماهيرياً يعتبر ما نقوله نصراً على الآخر منا.

خطباؤنا ووعاظنا الذين أفسدونا، وأفسدوا قيمنا بما ينفثونه من سموم الجهل والحماقة والتحامل على الآخرين، تخصّصوا في الشتم والسب والتجريح في الآخرين، وهم غير مدركين لعواقب الأمور، أو مدركين لها لكنهم وجدوا في استثارة العواطف، وتحريك العصبيات طريقاً مختصراً للمكانة الاجتماعية، والتربّع على قلوب الناس.

نبشنا نحن المسلمون تراث بعضنا فقسونا في تحميله ما لا يحتمل، وتكلفنا في استنتاجاتنا منه، وجعلنا البحث عن الحقيقة، ومعرفة الحق والهداية عناوين ولافتات فقط، لنوجه أغلب بحوثنا التراثية في مثالب هذا وسقطات ذاك، إلا ما رحم ربك.

مناهجنا الدينية في العالم العربي والإسلامي تحتاج إلى تحديث وصياغة تمكّن دارسيها من معرفة الأديان والمذاهب بصورة حضارية، فلا يتخرج الطالب إلا والخلاف عنده مؤطر في إطاره العلمي والمعرفي السليم، خلافٌ يُمكّنه من الاقتراب من الآخر بمحبة وأخوة وإعذار.

إن مطالبة العالم بسن قوانين تجرِّم الإساءة للأديان هي خطوةٌ مهمة، لكنها هروبٌ للأمام، فقبل كل العالم بأديانه، هناك المسلمون باختلافهم وتعدد مشاربهم.

لعل الأولى فيما أظن، هو أن نتحرّك نحن في سن قوانين تجرّم الإساءة لبعضنا، وتوقف النيل من مقدسات بعضنا بألسن وأقلام بعضنا الآخر، كي لا نشاهد علماءنا على الفضائيات يتصارعون تصارع الديكة، وبكلمات سوقية يترفع عنها أبناء الشوارع، وهم يسوّقونها علينا باعتبارها نقاشاً وحواراً.

إن سنة الحياة تعلمنا، أن الأديان والمذاهب أعقد من أن تخضع لفكرة ناقدة من هنا، أو سهم يوجه لها من هناك. وكل الحديث الذي يردّده هذا الطرف أو ذاك، عن آلاف البشر الذين تغيّروا وتبدّلوا وتحوّلوا على يديه، هو حديثٌ للتسلية والضحك على الذات. إنها انتصاراتٌ موهومة، لا تساوي شيئاً مقابل التمزق الذي تحدثه في الأمة.

وإذا عجزنا عن قانونٍ يجرّم الإساءة بيننا، فنحن عن غيره من القوانين أعجز.