ثقافة الابداع والقوى الخفية

كثيرآ مايشار الى الاستفادة من تجارب رائدة في مجال الابداع والانجاز في بناء المشاريع كتجارب أرامكو والهيئة الملكية وغيرها بل يدعو البعض الى الاستنساخ؛ وهذا الكلام أقرب منه الى التنظير لا التطبيق؛ اذ أن هناك عوامل عديدة يصعب توفيرها في بيئات العمل التقليدية

ترى ماهي العوامل التي تشجع على بناء ثقافة الابداع في أي منظومة مؤسسية، وماهي مهمة القادة في تحفيز الابداع في العاملين؟ سؤال حاولت استقصاؤه من أكثر من مصدر فرجعت الى المثل الشعبي القائل: اسأل مجرب ولا تسأل طبيب.. وهنا اطلعت على كتاب حديث الصدور في أمريكا وكندا قبل شهرين فقط «ابريل 2014» بعنوان الابداع. وكيف نتغلب على القوى الخفية التي تقف حائلآ دون تحقيق التطلعات المنظورة. هذا الكتاب كتبه في أكثر من ثلاثمائة صفحة باللغة الانجليزية السيد إد كاتمل.. المؤلف هو شريك مؤسس لستيف جوبز مؤسس شركة أبل في شركة بكسر للانتاج السينمائي وفائز بخمس جوائز أكاديمية للأفلام للشركة التي لم يمض على انشاؤها عشرين سنة. يقول السيد كاتمل أن هدفه كرئيس للشركة كان بناء ثقافة ابداعية تحقق طموحات المؤسسين وكان عمله كقائد هو خلق بيئة العمل الخصبة لتشجيع الابداع والابتكار.. لانه يعتقد أن كل شخص يكمن في ذاته ابداعآ مع التفاوت في الامكانيات‘كما أن المعيار الفيصل في النجاح ليس بناء شركة ناجحة في أعمالها وأنشطتها وأصولها فحسب ولكن الاهم هو بناء ثقافة ابداعية مستدامة وهذه هي من أهم مهمات القادة.

يعتبر المؤلف أن بيئة العمل المكانية من العوامل المهمة في تكوين الابداع وقد أشرف ستيف جوبز على تصميم مقر الشركة كبيئة فريدة فيها العديد من الردهات والجلسات والصالات والقاعات التي تشجع العاملين على الاجتماع والتحاور والتواصل وخارج المبنى وضمن قطعة الارض التي تزيد مساحتها عن ستين ألف متر مربع يوجد ملعب لكرة القدم وبركة سباحة ومسرح يتسع لستمائة شخص الى درجة أن بعض الزوار يعتقدون أن هذا المكان هو للسياحة والاستجمام ‘والنقطة التي غابت عنهم كما يقول المؤلف أن ستيف جوبز أراد أن يجعل من المكان بيئة اجتماعية حاضنة للعمل والتعاون المثمر وتشجع الابداع والابتكار وتزرع الحب والانتماء والرغبة في الانجاز. وهكذا كان له ماأراد... فقد اكتسحت الشركة الوليدة عالم الانتاج السينمائي بطريقة الانيماتيون أي تحويل لغة الكمبيوتر الى شخصيات وأحداث وأماكن ذات ثلاثة أبعاد، وأنتجت أربعة عشر فيلمآ في وقت قصير حازت معظمها على جوائز عالمية، وبلغت أرباح فيلمها الأول أكثر من 358 مليون دولار.. ولكن هذا العامل ليس المؤثر الوحيد الذي يجعل الشركة أو المنظومة الادارية مبدعة،.. مايجعلها مبدعة بالاضافة الى توفر البيئة المكانية الابداعية كما يقول المؤلف هو جملة من المكامن أو القوى الخفية التي يجب أن يلمسها القائد في تكوين بيئته الابداعية وأورد جزء منها:

اختيار الفريق الجيد: أعط فكرة جيدة عن مشروع لفريق متواضع الكفاءة، سترى أنهم سيفشلوه، ولكن أعط فكرة متواضعة لفريق جيد سترى أنهم سيقومو الفكرة وسيأتون بأفكار أفضل.

اختيار العاملين: اختر الاشخاص الذين لديهم امكانية قابلة للتطور ويحملون رؤى وطموحآ مستقبليآ وليس بما يحملونه من خبرة آنية واختر الاشخاص الاكثر ذكاء حتى لو كانوا أذكى منك كقائد.

الانفتاح على الافكار: على القائد الاستماع الى كل الأفكار والمقترحات بل بدفع الاشخاص الى القيام بذلك في عملية مستمرة.

مبدأ الصراحة: عندما تجد مبدأ الصراحة والصدق مفقودآ كأن تسمع الحقائق في الممرات ولاتسمعها في غرف الاجتماعات فعندها يجب على القائد أن يستقصي الاسباب ويضع الحلول.

التغيير: مبدأ التغيير حتمي ووارد في جميع المنظومات المؤسسية وهي سنة الحياة، ولايجوز للقائد أن يحتمي منه بل يجب أن يقبل التغيير المدروس ويدير عملية التغيير باحترافية وينفتح عليه.. فالتغيير أهم مفاتيح الابداع.

التعامل مع الاخطاء: بدلآ من محاولة منع الاخطاء، يجب على القائد أن يفترض أن الاخطاء واردة وأن نيات العاملين مخلصة ويحاولون دائمآ حل المشاكل وتصحيح الأخطاء.. فقط أعطهم المسؤولية ودع الاخطاء تحصل، ودعهم يصلحوها فان كان هناك خوف لدى العاملين، هناك أسباب، ووظيفة الادارة هو استكشاف الاسباب ومعالجتها وليس منعها، وبناء قدرات العاملين على التعامل معها وحلها فان تكاليف منع الاخطاء أعظم من اصلاحها.

المشكلات والعوائق: هناك دائمآ عوائق وقوى خفية تعيق الابداع وحالات من عدم وضوح الرؤية وعدم الثبات، ويبقى دور القائد مهمآ في التعرف على المعوقات والمهددات وازاحتها عن الطريق وذلك يتطلب التعرف عليها بأسلوب ممنهج وقبولها والعمل على ازاحتها عبر زرع الثقة في العاملين والتعلم من الدروس المستفادة في ايجاد الحلول. ان مهمة القائد ليس منع العوائق ولكن مساعدة العاملين على تجاوزها.

الخوف من الفشل: ان الفشل ليس بالضرورة كابوسآ سيئآ.. انما هو خطوة مهمة للبدء بعمل ناجح يقهر الفشل. بالاضافة الى أن الازمات الادارية تعزز من القيم وتربط بين العاملين في طور حلها وتعزز بيئة الابداع.

الثبات والتوازن: لاتجعل من الثبات هدفك بل اجعل التوازن هو الهدف.

عدم الخلط بين الاجراء والهدف: تسهيل وتطوير الاجراءات هي عملية مستمرة في أي منظومة ادارية ولكنها في حد ذاتها ليست الهدف، انما الهدف هو جودة المنتج النهائي.

التقييم الذاتي: تساعد اجراءات التقويم الذاتي العاملين على توضيح الاخطاء والكبوات، والسير نحو خطى النجاح.

وخلاصة الامر ‘ان لم يكن القائد متطلعآ الى استكشاف وتنبؤ العوائق والقوى الخفية التي تقع حائلآ دون الابداع، فليس بقائد.

والله من وراء القصد.

الرئيس الفخري لجمعية القطيف الخيرية