وَقْفَةٌ مَعَ خِطَابُ المَهْزََلةْ !
فِي مَهارَاتِ التَّواصُلْ:
يُعْتَبَرُ الخِطَابُ الِمنْبَرِي أَدَاةَ تَواصُلٍ فَاعِلَةٍ وَسْطَ مُجْتَمَعاتِنا العَرَبِيِّةِ خُصُوصاً أنَّها فِي كَثِيرٍ مِنْ الأَحْيانِ تَكُونُ مُرْتَبِطَةٌ بِالطَّرْحِ الدِّيِنِي الذَّي هُو مَحَلُّ اهْتِمَامْ شَرِيحَةٍ وجَمَاهِيرْ كَبيِرةٍ فِي هَذِهِ المَسَاحَةِ الجُغْرافِيِّةِ وخَارِجَها.
و تَخْتَلِفُ القُّوةُ الفَنِّيَةُ «الأُسْلُوب ْ» والدِّلالِية «المُحْتَوى» باخْتِلافِ المُسْتَوى العِلْمِي لِمُقَدِّمِ الخِطِابْ ومَهَارَتِهِ فِي التَّواصُلِ مَعَ الطَّرَفِ الآخَرْ لِعَرْضِ أُطْرُوحَتِهِ سَواءً بِالجَذْبِ والتَّقَارُبِ أَمْ بِالتَّبَاعُدِ والتَّنَافُرْ.
قَالَ تَعَالى: ﴿ادعُ إِلى سَبيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَة﴾. [١]
و قَالَ تعالى: ﴿فَبِما رَحمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُم وَلَو كُنتَ فَظًّا غَليظَ القَلبِ لَانفَضّوا مِن حَولِك﴾. [٢]
وقَدْ أَضْحَتِ اليَّومْ مَهَاراتُ التَّواصُلِ خَاضِعَةً لِدورَاتٍ تَدْرِيبِيةٍ وتُدَرَّسُ ضِمٍنَ تَخَصُصاٍت جَامِعِيَّةٍ لَِأهَميَّتِها البالِغَةُ والُملِحَّةُ فِي صِنَاعَةِ الشَّخْصِيَّةِ وصَقْلِ مَوهِبَتِها ورَفْعِها لِأعْلى مَرَاتِبِ الإحْتِرافِيَّةِ والمِهَنِيَّة.
و تُوجَدُ أمْثِلَةٌ كَثِيرَةٌ لِهذِهِ الَمهاراتِ مِنْها:
١ - لُغَةُ الجَسَدِ: المُتَمَثِلَةِ فِي تَعابِيِر الوَجْهِ وحَرَكاتِ الجِسْمِ ونَبَراتِ الصَّوتْ.
٢ - الوضُوحْ: أنْ تَكُونَ المادَّةُ الُمقَدَّمَةُ للمُسْتَمِعِ مُسْتَوفِيةً لِبَيانِ جَوانِبِها بِحيثْ تَكُونُ مُتَكَامِلَةً جَامِعَةً مَانِعةْ
٣ - الثِّقَةُ: وهِي امْتِلاكُ الُمتَحَدِّثُ لِرباطَةِ الجَأْشْ والسَّيطَرَةِ عَلى المَوْقِفْ دُونَ ارْتِبَاكٍ أو تَردُدْ
٤ - الإِنْفِتاحْ: بِحيثْ يَكُون الإِنْسانُ مُحَلِّقا بِفِكْرِه للآخَر مُطَّلِعا عَمَّا لَدَيْهِ مُتَواصِلاً مَعَهْ.
٥ - التَّحْضِيِرُ: وهُو الإِعْدادُ المُسْبَقُ والجَِّيدُ لِلمادَّةِ الُمرادُ طَرْحُهَا
٦ - تَقَبُّلُ النَّقْدِ: بِحَيثْ يَكُونُ الإِنْسانُ مُسْتَعِداً لِلإِسْتِمَاعِ لِما يُوجَّهُ لَهُ مِنَ مُلاحَظات
٧ - الأَمانَةُ: بِحيثْ يَكُونُ نَقْلُ الإِنْسانِ لِمَعْلُومَةٍ مُعَيَّنَةٍ مُطَابِقٌ لِلواقِعْ.
٨ - التَّوْثِيقُ: وهُو إُرْجاءُ المَعْلُوماتِ ورَبْطُها بِمَصادِرِها حَتَّى تَأْخُذَ طَابِعَها العِلْمِي لِلرَّدِ والمُنَاقَشَةْ.
٩ - المِصْداقِيَّةُ: بِأَنْ يَكُونَ مَوْقِفُ المُتَحَدِّثُ نَابِعاً مِنَ العِلْمِ واتِّباعِ الدَّلِيل.
و لِلإِسْتِزَادَةِ أكْثَر راجِعْ مَا كَتَبَتْهُ:
1 - Marjorie Lee North، a previous director in the department of speech and language pathology and audiology at Northeastern University. [٣]
2 - Alison Doyle، CEO of career to belt which provides simple and straightforward advice for every step of your career. [٤]
مَعَ الخِطابِ النَّوعِيْ:
يَشْهَدُ الخِطابُ المِنْبَري فِي بِلادِنَا الحَبِيبَة ُتَنوعاً فِي الطَّرْحِ والإِهْتِماماتِ فَتارةً تَراهُ فِكْرِياً يُناقِشُ القَضايا والمَسائِل المُعاصِرة وتارَةً عقَائِدِياً يَعْتَنِي بِالبِناءِ الَمعْرِفِي وردِّ الشُبُهاتِ وتَارةً اجْتِماعِي يَتَعَرَّضُ لِلمسائِلِ التي يُبْتَلى بِها المُجْتَمَعُ ناهِيكَ عَن التَّارِيخِ والأخْلاقِ والمَواعِظِ ويَنْدُرُ فِيها الطَّرْحُ السِّياسِي للأسْبابِ المَعْلُومَةِ مِنْ قِبَلِ الحُكُومَةْ.
إلَّا أنَّ هَذا التَّنَوع المَمْدُوح يمْتازُ أيْضاً مِنْ بَعْضِ رُوَّادِهُ بِتَوافِرِ العُمْقِ العِلْمِي والجانِبِ الإِبْداعِي فِي العَرْضِ والإِسْتِدْلالِ والطَّرْحِ والمُنَاقَشِةِ حَتَّى غَدَتْ بَعْضُ مُحَاضَراَتِهِم ومَنَابِرِهِم تَتَّخَطى حُدودُ المَسْجِد والحُسَيْنِيَّةِ بَلْ حَتَّى المِنْطِقَة والدَّولَةُ وراحَتْ تُقَدَّمُ كَوَرَقَةٍ بَحْثِيَّةٍ يَتَداوَلُها المُهْتَمُّونَ والمُتابِعُونَ فِي أَرْجاءِ العَالَمِ
و مِن بابِ المِثالِ لا الحَصْرِ فِإنِّي أعْتِقِدُ أنَّ خِطابَ العَالِمِ المُجْتَهِد السيِّد مُنِير عَدْنان الخَبَّاز بِشُمُولِيَّتِهِ وعُمْقِهِ وأُسْلُوبِ طَرْحِهِ بِدايَةً بِانْتِقاءِ المَواضِيعِ ومُواكَبَتِها لِلأَحْداثِ والأفْكارِ المُعاصِرَةِ ومُروراً بِعَرْضِها المُمَيَّزِ وهَيْكَلَتِها الفَنيِّة ونِهَايَةً بِصِناعَةِ الإِسْتِدلالِ وقُوَّةِ المَضْمُونِ يُعْتَبَرُ مِصْداقاً جَمِيلاً لِلخِطابِ النَّوعِي سَواءً عَلى مُسْتَوى مُحاضَراتِ المِنْبَرِ الحُسَينِّي ومِنْبَرِ الجُمْعةِ أوْ عَلى مُسْتَوى النَّدواتِ والحِواراتْ:
١ - كَيْفَ نَشَأَ الكَونْ
٢ - النُّبُوةُ تَجْرِبَةٌ بَشَرِيةٌ أمْ انْتِخابٌ سَماوي
٣ - الأخْطَاءُ العِلْمِيَّةُ فِي القُرْآنِ الكَرِيم
٤ - القَدَرُ والقَضَاءُ فِي الفِيزْياءِ والفَلْسَفةْ
٥ - الثَّابِتُ والمُتَغَيِّرُ فِي التَّشْرِيعِ الإِسْلامِي
٦ - ثُنائِيَّةُ العَقْلِ والمادَّةِ عِنَدَ دِيكارتْ
٧ - فَلْسَفَةُ الحُقُوقِ فِي الإِسْلام
٨ - الصُّدْفَةَ وقانُونُ النِّسْبِية
٩ - القُرْآنُ وتَعْدُّدُ القِراءات
١٠ - هَلْ الدِّينُ مَنْشَأٌ للصِّراعاتِ البَشَريِّة
١١ - الإِسْلامُ والحُريِّةُ الفِكْرِيِّة
١٢ - الأُخُوَّةُ الإِسْلامِيِّةُ وإِعْصارُ الطَّائِفِيَّة
١٣ - مَبْدَأُ المُواطَنَةِ فِي النِّظامِ الإِسْلامِي
١٤ - الإِبْداعُ فِي الفِكْرِ الإِمَامِي
١٥ - مَبْدَأُ الكَوْنِ ونَظَرِيَّةُ الِإنْفِجارُ العَظِيم
١٦ - المَنْهَجُ العِلْمِي فِي التَّعامُلِ مَعَ الرِّوايَة
١٧ - النَّصُ وتَعَدُّدُ القِراءات
١٨ - المُبدِعُونَ وحَرَكَةُ التَّارِيخ
١٩ - أَهَمِّيَةُ النَّقْدِ والحُريَّةُ الفِكْرِية
٢٠ - القِراءَةُ البَشَرِيَّةُ للدِّيِن
هَذا ما وَدَدْتُ ذِكْرَهُ مِنْ مُحَاضَراتٍ وإلِّا فَعَطاءُ السَيِّدِ الجَلِيلْ أَكْبَرُ وأَغْزَرُ وأَعْظَمُ مِنْ أنْ يُحْصِيهِ المَقالُ أوْ يُوَفِّيهِ المَقَامُ لِسَنَواتٍ مُتَتالِيَةٍ فَراجِع ْالمَوْقِعْ الرَّسْمِي لِلزِّيادَةَ والإِسْتِفادَةْ. [٥]
و بِلا شَكٍ فَإنَّ السَيِّدَ حَفِظَهُ اللهُ وأَنَارَ بُرْهَانَهُ لا يَدَّعِي لِنَفْسِهِ العِصَمَةَ وَ لا يَدَّعِيها لَهُ مُحِبُّوهُ بَلْ هُو يَحُثُّنا عَلَى النَّقْدِ والمُلاحَظَةِ حَتَّى يُرْتَقَى بِالخِطابِ المِنْبَرِي.
مَا هِيَ المَهْزَلَةْ:
وَرَدَ فِي مُعْجَمِ المَعانِي الجَامِع:
المَهْزَلَةُ: نَوْعٌ مِن التَّمْثِيلِياتِ يَكُونُ أَشدَّ إِضْحاكاٌ مِنَ المَلْهاة
المهزلة: ما يثير التحقير والسخرية من الأمور [٦]
جَاءَ فِي لِسانِ العَرَبْ:
الهَزْلُ: نَقِيضُ الجِّدْ [٧]
شَهِدَتِ السَّاحَةُ الأَحْسائيَّةُ مِن شُهُورٍ عِدة تَجَاذُباتٍ ومُشادَّاتٍ كَانَ بَطَلُها ومُحَرِّكُها ومُثِيرُ زَوبَعَتِها إِمامُ أَحَدِ مَنابِرِ الجُمُعةْ، ذلَكَ المِنْبَرُ الذي يَنْبَغُي أنْ يُوَظَّفَ لمِا يَجْمَعُ النَّاسَ ويُقَوِّيَ لُحْمَتَهَمْ وأَوَاصِرَ التَّرابُطَ والتَّآخِي بَيْنَهُم لِيَكُونَ مَنارَةً تَسْتَهْدِي بِها الجُمُوع وتَطْهُرُ بِها النُّفُوسْ وتَتَصافَى القُلُوبْ وتُعَمَّقُ وتُرَسَّخُ المَبَادِئُ والقِيَمْ الإِسْلامِيَّة.
إلاَّ أنَّ البَعْضَ قَامَ باسْتِغْلالِ مِنْبَرِ الجُمْعَةِ فِي تَصْفِيَةِ الحِسَاباتِ الشَّخْصِيِّةِ وإِثَارَةِ الفِتْنَةِ والضَّوضَاءِ والقَطِيعَةَ والتَّدابُرِ والهُجُومِ عَلَى الآخَرِينْ والتَّهَجُمِ عَلَيهِم بِالأَسَالِيبِ السُّوقيِةِ والطُّرِقِ المُلْتَويَة ِبَعِيدا عَنِ المَنْهَجيَِّةِ العِلْمِيَّةِ كُلُّ ذَلِكَ تَحْتَ شِعارِ النَّقٍدِ والتَّصْحِيحِ ورِداءِ الإنْفِتاحِ والتَّجْدِيد حَتَّى صارَتْ هَذِه العَناويِن مُبْتَذَلَةً أمَامَ كُلِّ شارِدٍ ووارِدْ وشِرْعَةٌ لِكُلِّ شاَطِحٍ ونَاطِحْ فَفَقَدتْ بَرِيقَها اللاَّمِع ومَعْناها السَّاطِع فِي هُبُوطٍ مُرِيعٍ لِمُسْتَوى الخِطابِ الثَّقَافِي والحِسِّ النَّقْدِي حَتَّى صِرْنا لا نَدْرِي
أيَعٍلَم ُالبَعْضُ ما هِيَ الشِّعَاراتُ التَّي يَرْفعَونَها ويَدْعُونَ إليها أَم ْهُم ْيَنْعَقُون َخَلْفَ كُلِّ نَاعِقْ تَسْتَهْويِهُمُ الكَلِماتُ وتَجْذِبهُمُ العِباراتُ وتَنْطَلِي عَليْهِمُ التُّفَاهاتُ والحِيَلُ وكَأنَّنَا أَماَمَ تارِيخٍ لا زَالَ يُعِيدُ نَفْسَهُ فِي كُلِّ ثَانِيةً إذْ لا زَالَ النَّفْعِيونُ والوصُوليِونَ يَعِيشُونَ عَلى سَذَاجَةِ المُغَفَّلِينَ الذِّينَ تَنْطَلِي عَلَيْهِمْ الخدعْ.
فَقَدْ رَوى البُخَارِي فِي صَحِيحِهِ عَنِ النَّبِي ص قَوْلَه: «وَيْحَ عَمَّار تَقْتُلُهُ الفِئَةُ البَاغِيةَُ يَدْعُوهُمْ إلِى الجَنًةِ ويَدْعُونَهُ إلَى النَّارْ» [٨]
و قَدْ رَوى أحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ قَوْلَ احَدِهِم لِمُعَاوِيةْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ص يَقُولْ تَقْتله الفِئَةُ البَاغِيَةُ يَعْنِي عَمَّار فَقَالْ: «أَنَحْنُ قَتَلْنَاهْ إنَّمَا قَتَلَهُ مَنْ جَاءَ بِه» [٩]
فَأَصْبَحَ التَّلاعُبُ بِالأَلْفاظِ والتَّلَونِ فِي المَواقِفِ والتَّنَكُرِ عَلَى المَقَاصِدِ سِمَةً بَارِزَةَ وصِفَةٌ ثَابِتَةً يَعْتاشُ عَلَيها المَوتُورونَ ويَقْتاتُ مَنْها النَّفْعِيونَ فَهِي عِنْدَهُم أَسْهَلُ مِن صُعُودِ جِبالِ المَجْدِ الوَعِرَةَ وخَوْضِ غِمارِ العُلُومِ النَّافِعَة ما دامَتْ بِضَاعَةً يَسْهُلُ بَيْعُها عَلَى البُسَطَاءِ وتُؤَدِّي غَرَضَهُم فِي حُبِّ الظُّهُورِ والبُرُوزِ وتُحَقِّقُ أهْدَافَهُمُ الشَّخْصِيَّة وعُقَدَهُمُ النَّفْسِية فِي جَعْلِهِمْ أنْدَادً لِلعُظَمَاءِ وعَلَى مَرْتِبَةً واحِدَةٍ مَعَ العُلَماء.
مَلامِحُ خِطابِ المَهْزَلَةْ:
مِنْ حَقِّ الشَّبَابّ الوَاعِدِ أنْ يَكُونَ لَهُ تَقْييمُهُ وتَشْخِيصُهُ الذي يَتَحَمَّل ُمَسْؤولِيَّتَهُ ويُلَبِّيْ طُمُوحَهُ وتَطَلُّعاتَهُ تِجَاهَ المَواقِفِ والأَفْكارِ والأَشْخاصِ دُونَ فَرْضٍِ لِلرَّأيِ أو مُمارَسَةٍ لِلحَجْرِ والوِصَايَةِ أو سَطْوَةٍ عَلى القَناعاتِ فَهذا الزَّمانُ أُتِيحَتْ فِيهِ مَصادِرُ المَعْرِفَةِ والتَّواصِلْ وكُفِلَتْ حُرِّيَةُ الرَّأيِ والإِرادةَِ والإِخْتِيارِ والتَّعْبِير فَكَما يَحِّقُ للِبَعْضِ أنْ يَعْتَقِدَ ويَكْتُبَ ويَخْتَارَ ويَرَى ويُصَرِّحَ أنَّ هَذا الخِطابَ تَنْويري نَقْدي تَجْدِيدي انْفِتَاحِي علِْمِي فِإنَّ الذَّي نَراهُ أنَّ هَذا الخِطابْ يَتَمَيَّزُ بكَِونِهِ يَعْتَمِدُ عَلى عَنَاصِرَ أساسِيةٍ ثَلاثَةْ هِي الإِزْدِواجِيَّةُ والسُّوقِيَّةُ والفَوضَوِية.
فِي الحِينْ الذَّي يَدَّعِي البَعْضُ فِيه التَّنْقِيحَ والدِّقَةَ ووالتَّوثِيقَ والإصْلاحَ والنَّقْدَ والصَّراحَةْ والوضُوحْ والأمَانةْ ويُطالِبُ الشَّبَابَ بِذلِكَ وأنْ لا يُسْلِموا عُقُولَهُم لِكُلِّ مَا يُسْمَعْ ويُقالُ مِنْ أرْبابِ المَنَابِر نَراهُ يَقْرَأُ نَصاً مِنَ كِتابٍ مُنْتَزِعاً المَقُولَةَ انْتِزاعاً بَادِئاً حَدِيثَهُ فِي وصْفِ المَرْجِعِ الشَّيخِ الوَحِيدْ حَفِظَهُ اللهُ بِأحَدِ المُزايِدينَ ثُمَّ يَبْدَأُ بِالقِراءةِ ثُمَّ يَرْفَعُ رَأَسَهُ لِلحُضُورِ سائِلا ًإيَّاهُم: هَذا مَنْطِق عَالِمْ؟ ثُمَّ يُحاوِلُ الرَّدِ علَى مَنْ يَقْبلَُ بالفِكْرَةِ التَّي يَقْرأها مِن خِلالِ النَّصِ ثُمَّ يُطَالِبُهُم بالمُمايَزَةِ بَينَ العَمائِمْ إذْ أنًّ بَعْضَها غَثٌ مَطْويَّةٌ عَلَى السُّوءِ ثُمَّ يُوَجِّهُ لَهُ الكَلامَ فِي حَالْ أرَادَ أنْ يَكُونَ كَلْباً يُبَصْبِصُ بِذَنَبِهِ فَلْيَفْعل دُونَ إلْصاقِها بِأهْلِ البَيْت ع. [١٠]
ثُمَّ يَأَتِي بَعْدَها بِفَتْرةٍ وَجِيزَةٍ لِيُنْكِرَ ويَتَنَكَّرَ فِي َمشْهَدٍ درامِي لا يُمْكِنْ قَبُولُهُ وإجَازَتُهُ إلا فِي الأفْلامُ السِّينمائيةِ فَهي البِيئَةُ الصَّالِحَةُ للإنْغِماسِ فِي المَشاعِرِ الكَاذِبةِ والبَراعِةِ فِي التَّمثِيلِ أمَّا مَنْ يَحْتَرِمُ عَقْلُهُ ويُقَدِّرُ ما وَهَبَهُ الرَّحْمنُ عزَّ وَجْل ولَهُ عِنْدَ نَفْسِهِ كَرامَةٌ فَلا يَقْبَلُ أنْ يَتِّمَ اسْتِغْفالُهُ بِهذِهِ المَسْرحِيَّةُ الهَزَلِيَّةُ التَّي تَمَّ فِيها امْتِهانُ كُلِّ عُنُوان ٍجَمِيلٍ بِدايَةًٍ بِحُرمَةِ بُيُوتِ اللهِ عَزَّ وجَل ومُرورا بِحُرْمَةِ المُؤْمِنْ والأمانِةِ العِلْمِيَّةِ ونِهايَةً بِمَفْهُومِ النَّقْد! [١١]
هَذا الخِطابُ الذَّي يَعْتَمِدُ فِي تَرويِجِ بِضَاعَتِهِ تَارَةً عَلى الشِّعاراتِ البَرَّاقَةِ والكَلِماتِ الرَّنانَةِ كاحْتِرامِ الرَّأيِ الآخَرِ وضَرُورَةِ التَّعايشِ وإثْراءِ السَّاحَةِ الفِكْرية والوِحْدَةِ الإسْلامِيَّةِ ورُوحِ العَفْوِ والتَّسامُحِ هُو فِي الواقِع مُسَخَّرٌ لِلهُجُوم اللاَّذِع والقاذِعِ والهاتِكِ والتَّسْقِيطِ والشَّخْصَنةِ إذْ يَتَّهِمُ مَنْ يُخَالِفُونَهُ بالعَمائِمِ الغَثَّةِ المَطْويَّةِ عَلَى السَّوءِ والرَّجْعِيةِ والتَّخَلُفِِ والعَمَالَةِ والعَقْلِياتِ العَفِنَةِ والحَسَدِ والحِقْدِ والمُزايَدَةِ والنِّفاقِ وتُخاطُبُهم بِخَفافِيشِ الليل وسُودِ القُلوبِ والأغْبِياءِ والمُرْتَزِقَةِ والمُغَفَّلِينْ فِي تَصرُّفٍ يَتَّضِحُ مِن خِلالِهِ أنَّ هَذا المِنْبرَ فِاقِدٌ لِلِمَشْرُوعِ الدِّينِي والفِكْرِي والتَّنْمَوي والطَّرحِ المُتَّزِن والإبِداعِ والعُمْقِ العِلْمِي وإنَّما هُو قَائمّ علَى التَّشَفِي والمُنَاكَفَةِ وإثارَةَ المَشاكِلِ والفِتَن وتَرْسِيخ القَطِيعَةَ والتَّناحُرِ وتَعْمِيقِ الشَّرخِ والرَّقْصِ عَلى الجِراحِ والإنْشِغالِ عن القَضايا الكُبْرى فِي مُجْتَمَعٍ يُواجِهُ تَحدِّياتٍ أمْنِيَّةٍ واقْتِصَادِيَّةٍ واجْتِمَاعِية حَتَّى بَلَغَتِ الجُرْأةُ ووَصَلَتِ الصَّفَاقَةُ أنْ يُصَرِّحَ صَاحِبُهُ بِعَدَمِ اهْتِمامِه واكْتِراثِه إذا تَفَرَّقَ مَنْ تَفَرَّقَ ما دَامَ سائراً عَلى مَنْهَجِ الحقِّ والحَقُّ مِنْهُ بَعِيد إذْ يَنطَبِقُ عَليهِ مُسَمَّى المَهْزَلِةِ لِعَدَمْ جِدِّيَتَهِ فِي الطَّرْحِ حَتَّى إذا مَا وُجِّهَ لَهَ النَّقْدُ العِلْمي والمُتَّزِن فِي عَدَمِ صِحَّةِ مَصادِرهِ وخَطأِ نَقْلِه ومَعْلُوماتِهِ اعْرَضَ عَنْهُ بِحُجَّةِ وجُوبِ الصَّبْرِ إلى أن يَتِّمَ تَفْرِيغُ المُحاضَرَةِ وطَبْعُها فِي كِتاب!.
إنَّ الخِطابَ الذَّي يَتَبَجَّحُ فِيهِ صَاحِبُه بِمُفْرَداتٍ وأسَالِيبَ سُوقِيَّةٍ مِن قَبيِلْ:
١ - اللي مو عاجبه اعلى ما في خيله خل يركبها
٢ - بلا بطيخ *
٣ - اللي على راسه بطحا يتحسسها
٤ - يا جبل ما يهزك ريح
إلى آخِرِهِ مِنَ المُفْرَداتِ هُوَ خِطابٌ لا يَصْلُحُ لأَنْ يُطَرَحَ فِي مَجْلِسٍ مُحْتَرَمٍ فَضْلاً عَنْ كَوْنِهِ خُطْبةَ جُمْعَةٍ نَاهِيكَ عَنْ نَشْرِهِ فِي وَسائِلِ التَّواصِلِ والمَهْزَلةَ الكُبْرى أنْ يَكُونَ نَفْسُ صاحِبِ هَذا الخِطابِ هَو مَن يَُطالِبُ بالإصْلاحِ فِي الخِطابِ الديِّني والطَّرْحِ المِنْبَري ومُلاحَظَةِ ما يَطْرَحُهُ الخُطَبَاءُ والإنْكَارُ عَليهِم حَالَ عَدَمِ دِقَّةِ وصِحَِّة ومُنَاسَبَةِ مَا يَطْرَحُونَهُ أسْلُوباً ومَضْمُونا.
ماَ يَنْفَرِدُ بِهِ صَاحِبُ خِطابِ المَهْزَلَةْ:
يُقَدِّمُ صَاحِبُ هَذا الخِطابِ نَفْسَهُ عَلى أنَّهُ مُنْقِذُ المَذْهَبِ وحَافِظِ بَوَّابَتِه مِنَ الهَجَماتِ والأزَمَاتِ وأنَّهُ يَحْمِلُ هَمَّ الطَّائِفَةِ والمُسْلِمِينَ خُصُوصاً فِي مَسْأَلَةِ عِرْضِ النَّبِي ص وطَعْنِ ياسِرِ الحَبِيبِ فِيه ويُصَوِّرُ للنَّاسِ أنَّه الوَحِيدُ الذَّي يُدافِعُ عَنْ عِرْضِ رَسُولِ اللهِ ص ويُحامِي عَنْ شَرَفِهِ مُحَاوِلاً إثْبَاتَ تَقْصِيِرِ الآخَرِينَ فِي هَذا الجَانِبِ والحالُ أنَّها قَضِيَّة ٌيُرِيدُ صاحِبُ هَذا الخِطابْ المُتاجَرَةَ بِها والأَكْلَ مِنْ مائِدَتِها والبُرُوزَ مِنَ خِلالها والصُّعُودَ علَى اكْتافِها وإِعَادَةَ إثارَتهَا لِتَكُونَ لهُ مُتَنَفَساً ولِمَأَزِقِهِ مَخْرَجت إلا أنَّ كَلِماتَ طُلاَّبِ العِلْمِ وبَياناتِهِم في المَمْلَكَةِ سَبَقَتْ اطْرُوحَتَهُ هَذِه بِسَنَواتٍ وذلِكَ مُنْتَشِرٌ فِي الصُّحُفِ ومِنْها:
١ - مَشايِخُ ومُثَقَّفو الشِّيعَةِ بالأحْساءِ والبَحْرَينِ يَشْجِبون احْتفالاتِ الشَّماتَةِ بأمِ المُؤمْنين. [١٢]
٢ - عُلَماءُ الشِّيعَةْ: بَريئونَ منِ المُنْحَرفِين الحَبيب والشِّيرازي ومُعْتَقَداتُهُما فَاسِدة. [١٣]
٣ - زَعِيمُ طائِفَةِ الشِّيعَةِ بالَمدينة المُنَوَّرةِ يَتَبَرَّأُ مِن ياسِرِ الحَبيب. [١٤]
٤ - إداناتُ الإساءةِ إلى أم المؤمنين تَتَواصلُ مِن عُلماءِ الشِّيعةِ داخِلَ المَمْلكة. [١٥]
٥ - في بَيانٍ ثاني لِعُلماءِ شِيعة بالشَّرْقِية: المُسِيئُ لأم الُمؤْمِنين عَمِيلٌ أجْنَبي. [١٦]
و لِلشَّيْخِ احْمَد سَلْمان كِتابٌ نَفِيسٌ تَحْتَ عنوان:
بَراءةُ نِساءِ الأنْبِياءِ مَنَ الزِّنا بَيْنَ التَّحْقِيقِ والتَّلْفِيق [١٧] يُناقِشُ هَذِهِ الفِكْرَةَ المُنْحَرِفَةَ مَنَاقَشَةً عِلَمِيةً مُسْتَعْرِضاً الرِّواياتِ والأسانِيدَ والأقوالَ لَدى الفَرِيقَينِ بِأسْلُوبٍ عِلْميٍ ومَضْمُونٍ قَويٍ ورَصِينٍ فَتَأمل.
الخاتمة:
مِنْ حَقِّ الشَّبابِ أنْ يُطالِبوا منَ يَتَصَدى للشأنِ العامِ بِمُنَاسَبَةِ اطْرُوحاتهِم مَعَ المَوْقِعِ الذي يُقَدِّمُونَ أنْفُسَهَم مِن خِلالِهِ فَلا يُقْبَلُ بِأيِّ حَالٍ مِنَ الأحْوالِ الإمْتِهانُ والإبْتِذالُ والتَّضْييعُ لمِكَانَةِ المِنْبَر والخِطابِ الدِّينِي والهُبُوطُ بِهِ لِمُسْتوياتٍ مُتَدَنيةٍ لا تَمُتُّ للأُسْلُوبِ والمَنْهَجِيةِ العِلْمِيَّة بِصِلة مَعَ العِلْم أنَّ هذِهِ الكَلِماتْ والنقاطْ المَذْكُورة لا تَسْتَقْصِي كُلَّ ما طَرَحَهُ صاحِبُ الخِطابِ إذْ أنَّ الوُقُوفَ والتَّعْلِيقَ عَلَى كُلِّ مُفْرَدَةٍ ومَسْأَلَةٍ مِمَّا لا يُسْعِفُنا فِيه ِالوَقْتُ ولا يَسَعُنا فِيه ِالمَقَامْ بَلْ هِيَ وَقْفَةٌ عَلَى ما يَتَيَسَّرُ فَهْمُهُ والوصُولُ إليهِ واتَّضَحَ حالُهُ لِلأحِبَّةِ راجِياً أنْ يُمَايِزَ النَّاسُ بَيْنَ العَمائِمِ الغَثَّةِ المَطوْيَّةِ عَلى السُّوءِ والأُخْرى التَّي نَتَشَرَّفُ بالغُبارِ الذَّي عَليْها.
تَنْوِيه: لَيْسَ المَقْصُودُ بالعِمامَةِ الغَثَّة المَطْوِّيةِ عَلَى السُّوِءِ صَاحِبَ خِطابِ المَهْزَلَةِ فَهُو أجْنَبِيٌ عَنْها والقَضِيَّةُ سَالِبَةٌ بانْتِفاءِ المَوْضُوعْ!
و صَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وآل مُحَمَّدٍ الطَّيِبينَ الطَّاهِرينْ واللَّعْنُ عَلَى أعْدائِهمْ ومُؤٍذِيهِم مِنَ الأولينِ والآخِرينْ.