القراءة والتطوع

لأن القراءة تعد أهم بوابة للمعرفة والوعي فإنه كلما ازداد منسوبها ازداد في مقابله الاطلاع أكثر على أحوال الناس الحقيقية في مختلف بقاع العالم، ومعرفة معاناة الضعفاء، والمشاكل والحروب التي تحصل فيه. كل هذا بدوره يزيد من منسوب الوعي الاجتماعي لدى القارئ؛ نظرًا لما تقود إليه القراءة من خلق تعاطف مع الآخر، خاصة عند قراءة مآسيه في بعض الروايات. هذا التعاطف الذي يتكون لدى القارئ قد يدفعه إلى الوقوف إلى جانب الطرف الضعيف في الصراعات التي يقرأ عنها، وذلك عبر التطوع في مجالٍ ما يساعد به هؤلاء، وهو ما يخفف من وخز الضمير الذي يشعر به. ولا أزال أتذكر أحد أصدقائي الذي قرأ رواية تحكي معاناة عمال النظافة، ما جعله بعدها يتعاطف معهم، ثم ما لبث أن بدأ يساعدهم حين كان يلقاهم في الشوارع. كما لاحظت شخصيًّا بعض من تأثر بقراءات حول الاحتباس الحراري والتلوث البيئي فانخرط في أنشطة بيئية؛ كالمشاركة في أعمال التشجير، وتنظيف الشواطئ من أنواع التلوث كالتلوث البلاستيكي. وقد تحفز قراءة سير ذاتية لنشطاء في مجال التطوع البعض لتقليد سلوكهم.

ورغم أن هذا الأمر ليس حتميًّا بالمطلق فإنه يدفع من لديه الاستعداد لذلك للإقدام عليه حين يتبين له واقع فئات مسحوقة في كل مكان على الأرض تحتاج إلى الوقوف معها. كما أنه يجعل الناس العاديين البعيدين عن التطوع أكثر ميلًا للمشاركة فيه وفي الأنشطة الاجتماعية عامة.

وهنا تتفوق القراءة الرقمية في القدرة على التأثير في هذا المجال؛ لكونها أسرع وأكثر شمولية ودقة في الإحاطة بتفاصيل أحوال المحتاجين للمساعدة في كل منطقة. وإذا أضفنا إلى ذلك القدرة الكبيرة التي توفرها الشبكة العنكبوتية في الوصول إلى المحتاجين للدعم، مع إمكانية التطوع رقميًّا، فإن القراءة الرقمية بذلك تفتح أبوابًا واسعة للتطوع لم تكن متوفرة من قبل. كما تتيح هذه الشبكة حتى ربط المتطوعين في أنحاء العالم بعضهم ببعض مهما بعدت بينهم المسافات وفرقتهم البلدان. كما يمكن للمتطوعين حتى تبادل الخبرات فيما بينهم.

ختامًا فإننا قد نكون بحاجة إلى مزيد من الدراسات التي تكشف عن مستوى الترابط بين القراءة والتطوع؛ حيث يفسر البعض الأمر بشكل مختلف حين يقول إن الأشخاص الذين يميلون للتطوع هم أصلًا أكثر اهتمامًا بالقراءة ولم تكن القراءة دافعًا لهم للتطوع.