الآفات الثلاث التي تنخر جسد المجتمع
بداية، لا بد من تعريف مبسّط للمجتمع، للوصول إلى فكرة هذا المقال بشكل واضح ودقيق، المجتمع هو «نسيج اجتماعي من صنع الإنسان، يتكوّن من النظم والقوانين التي تُحدّد المعايير الاجتماعية التي تترتب على أفراد ومكونات المجتمع»، وكلما كان أفراد هذا المجتمع في وئام وتجانس، انعكس ذلك على قوة وتماسك المجتمع، والعكس صحيح. ويتشكّل المجتمع من عناصر أساسية كالعادات، والقيم، والأدوار المفروضة على الأفراد والجماعات، ومنظومة القوانين، وسلة الرغبات والقدرات والطموحات والثروات والتوقعات.
وقد ركز أرسطو، الفيلسوف اليوناني الشهير في نظريته الاجتماعية على الفرد الذي يغلب عليه الطابع الاجتماعي وحاجته الدائمة للعيش مع غيره، في حين يرى أفلاطون واضع الأسس الأولى للفلسفة الغربية والعلوم، أن المجتمع هو من يتحكم بالفرد، مؤكداً على هيمنة الجماعة وذوبان الفرد.
كثيرة وكبيرة هي الآفات الفتّاكة التي تنخر في بنيان/جسد المجتمع، سأورد ثلاثاً منها، أجدها الأكثر فتكاً وخطراً وتأثيراً:
الآفة الأولى، وهي الانتهازية، سواء كانت من فرد أو جماعة، والانتهازي هو الشخص المستعد على الدوام أن «يدوس» كل شيء أمامه، كل القيم والمبادئ والأعراف، بل والبشر أيضاً، وذلك من أجل تحقيق أهدافه الخاصة ومنافعه الشخصية، ضارباً عرض الحائط بكل مصالح وحقوق ومكاسب الآخرين، بل وبكل المصالح العليا للمجتمع، والانتهازية التي يُمارسها البعض، سلوك نفعي صرف، يستفيد من الظروف والفرص والتناقضات والثغرات التي تتمظهر في المجتمع.
الآفة الثانية، وهي الفئوية. فحينما تشعر فئة أو طبقة أو طائفة أو مكوّن ما، أنها الأفضل والأهم والأكثر حظوة بين كل الأطياف المجتمعية الأخرى، فإن المجتمع بلا شك في طريقه للاحتقان والتأزم والتصادم. التنوع والتعدد والتمايز في المجتمع، ظاهرة صحية وضرورية ورائعة، ولكنها لا ينبغي أن تؤثر على تناغم وانسجام وتلاحم المجتمع، بل على العكس تماماً، يجب أن تقوده إلى المزيد من التكامل والتوافق والتماسك.
الآفة الثالثة، وهي العنصرية، هذا المظهر الكريه، لا يختص بمكان أو زمان، بل هو مشكلة/آفة أزلية وجدت أينما وجد الإنسان، العنصرية، حالة بغيضة تُهدد السلم والأمن والاستقرار المجتمعي، بل وتتسبب في تعطيل تنميته وتطوره وازدهاره. ولعل ما يُشعل فتيل هذه الآفة الخطيرة هو تنامي وتفشي مظاهر القبلية والطائفية والمحسوبية والتمييز والإقصاء والتهميش وغيرها من المظاهر الكريهة التي لا تقل خطورة عن تلك الآفات الثلاث.
الانتهازية والفئوية والعنصرية، وغيرها من الآفات الفتّاكة التي تُهدد المجتمع، لن تقوى شوكتها، حينما تواجه بحزمة رادعة من القوانين والإجراءات والعقوبات الصارمة والحازمة والذكية، وبوعي وحكمة ورؤية المجتمع بمختلف أفراده ومكوناته وتعبيراته.