هل تُسطّح شبكات التواصل المجتمعات؟
يبدو أن كل التقارير والدراسات، تُشير بما لا يدعو للشك بأن المجتمعات، سواء المتقدمة أو النامية، تُعاني وبشكل كبير جداً من طغيان وتغول شبكات التواصل الاجتماعي التي أصبحت تستأثر بنصيب الأسد في فضاء الإنترنت، الأمر الذي يضع هذه المجتمعات تحت رحمة وتأثير هذه الشبكات العنكبوتية التي تُسيّجها من كل الجهات. ما تُحدثه هذه الشبكات التسونامية، لم يكن يخطر على بال أكثر المتفائلين بتطور الحياة، فهي الآن تُسيطر تقريباً على كل مفاصل/ تفاصيل حياتنا.
والكتابة عن تأثيرات وتموجات الإنترنت، ممثلاً بمواقع التواصل الاجتماعي كتويتر والفيس بوك وإنستغرام وسناب شات وغيرها من التطبيقات والوسائط، بحاجة لمساحات واسعة وفضاءات مفتوحة، ولكنني سأحاول قدر المستطاع أن أجيب على السؤال/ العنوان أعلاه: هل تتحمل شبكات التواصل الاجتماعي مسؤولية تسطيح المجتمعات؟
قبل هذا الغزو الكبير من هذه التطبيقات والبرامج، كانت المجتمعات بمختلف أشكالها ومستوياتها، تتمتع بقدر لا بأس به من الاهتمام والحرص أثناء تعاطيها مع العلوم والمعارف والخبرات والتجارب والفنون والآداب والثقافات، وكانت تُقاوم كل مظاهر الكسل والتراخي التي تُصيب نخبها ومكوناتها. قبل ظهور هذه الشبكات المثيرة، كانت تُعاني كل المجتمعات، ولكن بنسب متفاوتة طبعاً، من تدني نسب القراءة والمطالعة والاهتمام والجدية في تناول العلوم والمعارف، فما هي الحال الآن، وسط هذا الزحام الشديد من هذه الشبكات والتطبيقات؟
الآن، أصبحت العناوين والصور واللقطات التي تبثها بشكل لحظي شبكات التواصل الاجتماعي، هي المصادر الأولى التي نستقي منها أخبارنا وقناعاتنا، والتي تؤثر بشكل كبير على قراراتنا وأحكامنا، وهنا تكمن الخطورة، فمواقع التواصل الاجتماعي هي من تقودنا الآن.
لم يعد الكتاب أو التلفزيون أو الإذاعة أو المصادر الأخرى الرصينة، هي التي تُرضي شغفنا وتروي ظمأنا. لماذا لم تعد كذلك؟ قضية مهمة، تستحق النقاش، ولكنها ليست هدفاً لهذا المقال.
كل مجتمعات العالم تعيش تأثيرات وتداعيات هذه الشبكات والتطبيقات، الأمر الذي جعلها في سباق محموم وسط كل هذا الكم الهائل من الضخ والتأثير، وما جعلها تدور في فلك هذه الأدوات/ الشبكات التي لا مفر منها.
لم نعد نملك «اللياقة الذهنية» التي تُساعدنا على قراءة كتاب من 200 صفحة، بعد أن كنا نلتهم المجلدات والموسوعات. لم نعد نملك «الصبر» لمعرفة تفاصيل الأشياء التي تؤهلنا للحكم بعقلانية عليها. لم نعد نُمارس «العمق» الذي يُتيح لنا الفرصة لفرز واختيار الأفكار والقناعات التي نؤمن بها. كل ذلك وأكثر، بسبب «دوامة» هذه الشبكات الاجتماعية التي أفقدتنا التوازن والحكمة والوعي والهدوء.
لقد استطاعت مواقع التواصل الاجتماعي، أن تُغرقنا في بحر من السطحية والتسرع والسذاجة، فأصبحت حياتنا مجرد «مرور سريع» على لوحة مفاتيح، تُلهينا أكثر مما تُغنينا.