كلنا مسؤولون
في تسارع الأحداث الحالية التي تعكس ظلالها الداكنة على العالم وتحكم عليه بالعزلة، فإنها أيضا وفي نفس الوقت تثير بنورها عمق قلوبنا وإنسانيتنا الراقية التي تربّينا عليها، وأسّسنا لها أجيالا وأجيالا، لنتجاوزها ونحن متأكدون من أن الحقيقة هي الإنسان وأن الحضور في الوطن هو التعاون بين كل الأطياف وكل المجالات، والإيمان الحقيقي أن البناء يبدأ من القيادة حكمة وقرارا وينتهي بالتماسك أفرادا ومؤسّسات ومجتمعا، وتلك هي ثقافة البناء والتأسيس للوعي والذوق والجمال والابتكار والإبداع.
نحن الآن أمام تحدّ حقيقي لذواتنا الفاعلة في الوطن - مثقفين ومسؤولين ومربين وإعلاما -، شعارنا العمق لنشر هذا الوعي، فالوقت ليس وقت النظر بسطحية بل التمعن والتعاون كل من جهته بالحرف والكلمة بالمعنى والصورة باللون والخط، كلنا أمام لحظة صادقة لنعود إلى الجماليات الحقيقية التي ترسّخ الإنسان السعودي في وطنه وفي العالم، حقيقيّ بقيمه الإسلامية وبهويّته الثقافية وبحضارته الإنسانية العميقة في أرضها الطيّبة في أثرها، واضح في تعامله المنفتح على العالم، واثق من مصلحته وثابت على رؤاه.
من هنا تأتي القرارات السياسية والصحية والتربوية والثقافية التي لم تكن عابرة ولا مجرد قوانين أجبرتنا الحاجة على تطبيقها، بل كانت استشرافا للحكمة والجرأة الصادقة في مضامينها والتي تتميّز بها قيادتنا وتُحسن مؤسساتنا التعاون في تطبيقها ونشرها بمحبة وتضامن ومسؤولية والتزام هدفها الحماية والوقاية.
وعلى ذلك فالجهات الثقافية وكل مؤسسات المملكة قادرة بلا شك على تجاوز كل الأزمات، لأن هذا التعاون الذي أسّس للترابط والتكامل بين كل الأطراف فعّل الوعي الذي انتقل إلى كافة أبناء السعودية، فالأنشطة الثقافية التي أجبرتها الظروف على التأجيل لم يتوقّف نشاطها بل تفاعلت مع لغة العصر، التي أصبحت رابطا بين الكل من خلال الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي ببث رسائل التوعية والاطمئنان، والمساعدة على تقديم النصائح الطبية والوقائية والتشجيع على القراءة والكتابة.
فدور المؤسسة الثقافية لا يقف عند النشاط كفعالية، بل يتجاوزه ليكون تدريبا حقيقياً في ممارسة الواجبات وتطبيق القرارات والالتزام بها، فالمؤسسات تتعاون مع كل مؤسسات الدولة لنشر الوعي والعلم والمعرفة.
فالثقافة في مثل هذه الأوقات دورها أساسي لأنها المنفذ الذي يُبقي على الجمال والأمل فينا، ويستفز الوعي بها ليكمل رسالة العلم والدين والتربية ويتكامل مع رقي الإنسان ويدفعه نحو الأفضل بتوازن وإيمان.
إن التعويل على كل المؤسسات الثقافية والجمعيات في مثل هذه الظروف هو مطلب حقيقي يستمر دوره بالتوازي مع كل الجهات والأطراف في المملكة، لنشر الوعي والتعامل بهدوء ورقي والاستمرار في العطاء الصادق الذي يكسر حواجز العزلة ويعلم أبناءنا التعبير والتوثيق والتفاعل كما يجب.