جنون العظمة.. الدرس والعبرة
مقدمة وتعريف:
أن جنون العظمة يصنف من الأمراض العقلية وهو يعتبر حالة متعبة تجعل الإنسان يوسوس ويتوهم، وذلك من خلال المبالغة والاعتقاد بأن لديه قدرات جبارة أو مواهب مميزة أو قوة نفسية خارقة وغيرها من أمور لا تميل للأشياء الواقعية، وبالتالي الشخص يوصف النفس الخاصة به بأمور تخالف الحقيقة مما يسبب له ذلك الشعور بالخوف والاضطراب والقلق طيلة الأوقات.
هذه الحالة تصيب الناس في أي مرحلة عمرية، وقد يأتي هذا المرض لفئة الشباب والشابات والأشخاص المشاهير أو الكُتّاب والمثقفين أو ذوي المناصب العالية أو المكانة الاجتماعية والعلمية الكبرى، حيث أن أصحاب هذه الحالة المرضية لديهم اعتقادات وهمية من ناحية امتلاك نجاحات واكتشافات لم يصل لها أي أحد، وهذه الحالة قد تستمر لفترة طويلة من الزمن، في حال عدم الإقرار بوجود مشاكل شخصية واجتماعية لدى المريض، لأنهم دائما يسعون للمثالية الوهمية والخلو من العيوب والأخطاء.
بالإضافة إلى ذلك، حب النفس بشكل مفرط فهذا يجعل الشخص يخاف من تقييمات الآخرين، صحيح أن طبيعة البشر السعي للنجاح والمثالية ولكن بشرط أن لا يعتقدون إنهم كاملون في كل شيء فكل إنسان لديه عيوب وهو معرض للخطأ بأي لحظة.
علامات تدل على الإصابة بجنون العظمة:
هناك مجموعة من العلامات المعينة التي تدل على الإصابة بجنون العظمة وهي:
1 - الخوف الشديد من فقدان النعم والأرزاق.
2 - يعتقد المصاب بأن الآخرين يريدون إيذاءه أو النيل منه طيلة الأوقات.
3 - عند لحظة التكلم مع الآخرين ينتقل الشخص المصاب من موضوع إلى آخر بطريقة سريعة، على سبيل المثال التركيز على مواضيع متعددة عند لحظة التحدث من دون التركيز على موضوع واحد.
4 - وجود صعوبة في النوم، بسبب كثرة التوتر والتفكير الزائد في تحقيق أهداف معينة وقد تكون غير واقعية.
5 - الشعور بالهزيمة والاحباط عند التعرض للنقد أو الانتقادات السلبية الصادرة من قبل الناس «بشكل مستمر».
6 - لا يتقبل المصاب أفكار وآراء توجه له حتى ولو كان بها أدلة علمية قوية، لأنه يعتقد إنه معصوم وغير معرض لأي خطأ، على سبيل المثال قد ينصت فرد معين لبعض النصائح الصادرة من قبل الآباء والأمهات والمربيين والموجهين ولكن لا يطبق الكلام الموجه بشكل متكامل.
7 - التكبر والغرور والتجبر والغطرسة والتسلط الزائد.
8 - ضعف الثقة بالنفس والآخرين، وذلك بسبب أخذ الأحكام المتسرعة عن تصرفاتهم ونظراتهم.
9 - كثرة الشكوك تجاه البشر كأن يعتقد المصاب أن من حوله يتأمرون عليه أو يريدون أن ينصبوا له أفخاخ بغرض الخداع.
أسباب الإصابة بجنون العظمة:
هناك مجموعة من الأسباب التي تؤدي للإصابة بجنون العظمة وهي:
1 - وجود تاريخ عائلي سلبي «قلة الاهتمام والتعرض للتعنيف اللفظي والجسدي بكثرة من قبل الأسرة».
2 - عدم تقبل النقد أو الانتقادات السلبية.
3 - الاعتداد بالرأي وتسفيه آراء الآخرين «التمسك بالرأي الواحد».
4 - سرعة الانفعال.
5 - عدم التعلم على ترويض وضبط النفس باتباع وسائل ومهارات معينة.
6 - اتخاذ القرارت غير الواعية.
7 - الاندفاع في السلوك فهو يجعل الفرد يشعر بالاضطراب طيلة الأوقات «عدم الإحساس بالطمأنينة والراحة النفسية»، والمقصود بالاندفاع في السلوك هو: ارتكاب أفعال وتصرفات عن طريق اتباع أساليب متهورة من دون التفكير في نتائجها السلبية.
8 - وجود سوابق انتحارية «التفكير في الانتحار».
«التعامل الصحيح» تعامل الآباء والأمهات مع الأبناء عند التعرض للمعضلات الكبرى:
للأسف الشديد أن هناك آباء وأمهات يعاملون أولادهم وبناتهم بقسوة وعنف فلا يتم إعطاء أي نوع من الحب والاهتمام والحنان، وهذا يؤدي إلى الإصابة بأمراض «كجنون العظمة» فذلك يعلمهم على اكتساب عادات وسلوكيات سيئة من قبل المربيين غير الجيدين، ولا نستطيع القول: أن نكثر الاهتمام حيث يصل الأمر للتساهل عندما يتعرض الأبناء للمشاكل وارتكاب الأخطاء، بل يجب أن نضع خطين متوازنين «لا إفراط أو تفريط» في التعامل معهم، على سبيل المثال هناك من يبخل مع أبناءه من جانب إطلاق الكلام الطيب واللطيف، وهناك مربيين يدللون ويتجاهلون كل خطأ ومشكلة تصدر من الأبناء.
الاعتماد على النفس عند التعرض للمعضلات الكبرى:
من ناحية اخرى حتى لا تضخم وتكثر المشاكل ويتم الإصابة بهذا المرض على الشاب والشابة أن يتعلموا على الاعتماد على النفس وتحمل مختلف المسؤوليات وخاصة في هذه الفترة العمرية المشرقة والمليئة بالنشاط والحيوية، بالإضافة إلى ذلك التعلم على مهارات وطرق تساعدهم على التفاهم وتواصل مع الوالدين في لحظة التعرض للمشاكل الكبيرة، فلا يوجد عيب عند استشارة من هو أكبر منا في العمر، ولكن العيب هو التأخر عن الاستشارة وهذا طبعا يجعلنا نعتقد إننا نفهم في جميع المجالات الحياتية وأن هناك لم يصل لما وصلنا إليه أو ليست لديه التجارب والخبرات والمهارات الكثيرة.
عندما نتحدث عن الاعتماد على النفس لا نقصد أن يكون الإنسان دائما يميل لحب الذات الخاص به فقط، أي نقصد بذلك أن يتعلم على اكتساب مختلف المهارات، على سبيل المثال التعلم على كيفية التعامل مع المشكلات والتواصل مع الناس وكيفية حل المشاكل الاجتماعية والشخصية، فالبعض لديه مفاهيم خاطئة تجاه الاعتماد على النفس فهو يعتقد أن الإنسان لا يحتاج للتواصل مع من حوله وإنه هو يفهم في كل المجالات.
العلاج الأمثل للتعامل مع مثل هذه الحالة المرضية:
العلاج الأمثل للتغلب على هذا المرض هو التعلم على تقبل نقد أو انتقادات الآخرين بكل سعة صدر واحترام من دون الشعور بالغضب، فذلك يساعد المصاب على تخطي الصعوبات النفسية التي يعاني منها، وهناك عامل آخر مساعد وهو أن يداوم الشخص على العبادة ويتقرب للخالق بأن يتأمل ويستشعر عظمة الله وأن الإنسان هو ضعيف والله هو من لديه القوة الكاملة، وذلك كي لا يقع بفخ الغرور والتكبر.