الذكريات كدافع لإعادة القراءة
ليست الفائدة وحدها هي الدافع الوحيد لإعادة قراءة متن معين، بل إن هناك العديد من الفوائد الأخرى، منها أن ذلك يساعد على اكتساب مهارة سرعة القراءة اللازمة لقراءة أكبر عدد من الكتب مع ضمان أكبر قدر ممكن من الفهم والاستيعاب. كذلك فإنها تنمي حالة اللياقة القرائية التي تتشكل لدى القارئ مع مرور الوقت وبالتالي استمرار القراءة وتواصلها. كما إنها تساعد أيضا على اكتشاف جوانب من النصوص المقروءة قد لا تكتشف من المرة الأولى التي تتم فيها قراءة النص.
وكما يحصل عندما يعيد المرء مشاهدة فلم سينمائي أو مسلسل تلفزيوني أو حتى أي عمل فني أو موسيقي، فإن إعادة القراءة يتضمن بالضرورة استعادة جملة من الذكريات المرتبطة بقراءة النص في المرة الأولى تشعر قارئها بفيض من المشاعر تأخذه إلى ماض عاشه سعيدا كان أو غير ذلك، وهي مشاعر يحتاج إليها القارئ تماما كما يحتاج إلى إنعاش أي ذكريات أخرى مرت عليه. وتشكل هذه المشاعر «جنبا إلى جنب النقاط الأخرى التي ذكرناها سابقا» دافعا لإعادة قراءة النصوص مرة بعد أخرى قد تصل إلى العشرات كما اعترف بذلك البعض.
أما الكاتبة الفرنسية لورا مورا التي قامت بدراسات ميدانية واستقصاءات ولقاءات مع كبار القارئين حول هذه الحالة ودونتها في كتاب «إعادة القراءة.. بحث في الشغف بالأدب»، فتعتبر بأن إعادة القراءة ليس تكرارا لها بل قراءة جديدة مطلقة عليه مسمى «الهوى الأدبي العميق». وتشبه مورا إعادة القراءة بشكل أو بآخر بما يقوم به الأطفال من الإلحاح على إعادة الاستماع لنفس الحكاية في كل مساء مع الاستمتاع بذلك وكأنهم يسمعونها للمرة الأولى، وهو ما أسمته «التمتع مجددا بالمتعة التي قدّمتها القراءة الأولى». كما أننا لا ينبغي أن نغفل هنا أن إعادة القراءة قد تعري النص أحيانا وتسلبه ما قد يكون هالة مزيفة اكتساها في القراءة الأولى.
وتتساءل الكاتبة في كتابها عن السبب الذي يدفع الناس إلى الاحتفاظ بالكتب التي أنهوا قراءتها إن لم يكن هدفهم قراءتها مرة ثانية، حيث يمكن أن يكون هذا هو هدفهم في لاوعيهم. وحتى لو لم يقوموا بإعادة قراءة الكتب ثانية، فإن مجرد وجودها في مكتبة البيت والنظر إلى أغلفتها كفيل بإعادة بعث بعض المشاعر الدفينة حولها مبهجة كانت أو محزنة.