متى تنتهي هذه الحرب العبثية؟

يبدو أن الجدل المحتدم حول الإعلام بمختلف أشكاله ومستوياته، مازال يستنزف المزيد من الفكر والجهد والكثير من الكتابات والردود، تماماً كما لو أن المشكلة الحقيقية هي في الشكل والأسلوب وليست في المحتوى والمضمون!

والمتتبع لحركة التاريخ، لاسيما الحديث، يُلاحظ توهج واستعار الخلاف والصراع بين أصحاب الفكر وقادة التغيير في كل ملامح وتفاصيل الحياة، ولكن الأمر يبدو أكثر ضراوة واشتعالاً حينما يتعلق بالثقافة والأدب والفن والإعلام. فهذه الحقول الخصبة والديناميكية، كانت ومازالت مادة خصبة للاختلاف وقابلة للاشتعال في كل لحظة. فالخلاف مثلاً بين الشعر الكلاسيكي الذي ورثناه من امرئ القيس والشعراء الأوائل وبين الشعر الحديث/الحر بريادة نازك الملائكة وعصبة الشعراء الجدد، مرّ ومازال بمعارك طاحنة في أغلبها كانت مجرد مخاوف من التغيير أو المساس بشكل ورمزية الشعر، إضافة إلى تنامي وتمرد الأصوات الشعرية الجديدة التي لم تُريد الخروج من عباءة الشعراء الكلاسيكيين الكبار.

الرواية كذلك، تعرضت لحالة مماثلة من الصراعات والخلافات بين تياري الأصالة والحداثة أو الشكلانية والشاعرية في الرواية وهكذا. والمسرح والغناء والموسيقى والسينما والدراما والفن التشكيلي والتصوير والنحت وغيرها من الثقافات والفنون والآداب التي مرّت بحالة مستمرة ومتجددة من التشكيل والصياغة، وهو أمر طبيعي، بل وضروري، فالحياة وهي الحياة بكل تفاصيلها الصغيرة والكبيرة، تتغير وتتبدل، فكيف بملامحها وأدواتها؟ الفنون والآداب والثقافات والعادات والأفكار والقناعات، يطالها التغيير والتجديد لأنها بحاجة ماسة للابتكار والإبداع.

والإعلام كإحدى أهم وسائل وقنوات التواصل والاتصال الإنساني وإحدى أقوى طرق ومنابر التأثير والتوجيه، تعرض أيضاً إلى صراعات ومواجهات كبرى، بعضها حقيقي وضروري، وبعضها الآخر مفتعل واستعراضي. ومنذ القرن الخامس عشر، وتحديداً في عام 1440 ميلادي، حينما طوّر العالم الألماني يوهان غوتنبرغ آلة الطباعة، بدأت مسيرة الإعلام المقروء والذي شهد تطورات نوعية وقفزات هائلة خلال القرون الستة الأخيرة وصولاً لوقتنا الراهن. لقد بدأ الإعلام بسيطاً ونمطياً، وكانت أدواته وآلياته بدائية ومحدودة، ولكنه سرعان ما تطور وتغير، ولن يقف الأمر عند ذلك، فكلما تطورت الحياة تطور فكر البشر، تلك هي الحقيقة الثابتة التي لا يمكن القفز عليها.

الإعلام بكل صحفه وقنواته وبكل شبكاته وتطبيقاته، الكلاسيكي والجديد، الورقي والرقمي، يجب أن لا تستهلكه وتستنزفه الحروب والعداوات الوهمية والعبثية، وحركة التطوير والتجديد عملية ضرورية وحتمية، ولكنها يجب أن تُصنع بوعي وذكاء، وليس على مبدأ الغالب والمغلوب.

عجلة التقدم والتطور، لن تقف، لن تقف أبداً، تلك هي الحقيقة الصادقة التي كتبها التاريخ ووثقتها التجارب، ولكن الإحلال الآمن والانسجام التام بين مختلف وسائل وأشكال الإعلام هو من يصنع منظومة إعلامية وطنية قوية، تُسهم في صناعة صورة واضحة ومبهرة عن هذا الوطن الكبير الذي يستحق أن يكون في صدارة الأمم.

كاتب مهتم بالشأن السياسي والاجتماعي والوطني