ماذا فعلت بنا العولمة؟
تُعدّ فترة ستينيات القرن الماضي، البداية الحقيقية لعصر النهضة العالمية الحديثة، أو ما بات يُعرف لاحقاً ب» عصر الاتصالات والمعلومات» والذي يصطلح عليه ب» عصر العولمة». العصر الراهن، هو بلا شك عصر الاتصال والمعلومات الذي جعل من العالم، كل العالم، قرية صغيرة، بل مجرد شاشة لا يزيد حجمها عن عدة بوصات.
في مطلع هذه الفترة أي ستينيات القرن الماضي المزدحمة بالاختراعات والاكتشافات والتطور العلمي المذهل، ولاسيما في مجال الاتصالات الرقمية، وصل الإنسان ولأول مرة إلى القمر لتبدأ مرحلة جديدة واستثنائية من عمر الإنسانية، حيث أرسلت الأقمار الصناعية والمركبات الفضائية، وأنشئت المحطات والمراكز الفضائية، وأصبحت الكرة الأرضية التي نعيش عليها تخضع للمراقبة والدراسة والتحليل والبحث والتصوير والاستكشاف، مما فتح المجال واسعاً لمعرفة الكثير من الأسرار والألغاز الكونية التي كانت بعيدة كل البعد عن الذهنية البشرية.
لقد ساهمت تلك المحطات والأقمار بربط كل أجزاء العالم بشبكة شاملة من الاتصالات، سواء عن طريق الاتصال الثابت أو الجوال أو المرئي أو عبر الإنترنت. لقد انتهت حقب المسافات البعيدة والأحجام الكبيرة، لقد انتهت كل تلك المعاناة بلا رجعة، وبدأ عصر الاتصال والتواصل بين الحضارات والشعوب والمجتمعات. تلك كانت البداية الحقيقية والفعلية التي مهدت لبزوغ نجم هذا العصر الذي أصبح يوصف عادة بعصر السرعة. نعم، هو عصر السرعة في كل شيء تقريباً، في تنامي الاختراعات والاكتشافات والإنجازات العلمية التي تكاد لا تتوقف أبداً، وهو كذلك في تسارع أحداثه وتطوراته وتداعياته، وهو أيضاً كذلك لصراعه المحموم مع إشكالية «الثابت والمتحول».
بعد كل هذا السرد التاريخي لصعود نجم «العولمة الكونية» التي أصابت ومازالت العالم بالهوس التقني والمعرفي والترفيهي: كيف تعاطت الأمم والشعوب والمجتمعات مع هذه الثورة الهائلة في وسائل الاتصال ووسائط التواصل؟. بالنسبة للدول الصناعية الكبرى، فقد وجدت في كل ذلك ضالتها، حيث أنشأت المراكز والمعاهد البحثية لدراسة هذا التطور المذهل في تلك الوسائل والوسائط، وذلك للاستفادة القصوى من هذه التقنية الحديثة التي أدرك مُفكروها وعلماؤها منذ أول وهلة أنها السبيل الوحيد للقوة بكل ألوانها وبمختلف مستوياتها في هذا العصر، كما بنت تلك الدول المتحضرة خططها واستراتيجياتها القريبة والبعيدة طبقاً لطبيعة ومعطيات ومصادر تلك الثورة العلمية الهائلة. لقد تنبه الغرب وبعض الشرق نخباً وشعوباً لهذا الطوفان الهائل القادم من عصر الاتصال والإنترنت والفضائيات، هذا التسونامي الهائل الذي تقوده العولمة الاقتصادية والفكرية والثقافية. لقد استفادت الدول الغربية وبعض الدول الشرقية من التقدم التكنولوجي الحاصل في الكثير من المجالات مما أهلها لعضوية نادي العالم المتقدم.
ولكن ماذا عن العالم العربي؟، ما حجم التطور والتقدم في عالم الاتصال والمعلومات؟، وكيف استقبلت وتعاملت مجتمعاته وشعوبه بتطبيقات وبرامج العولمة المختلفة والمتعددة؟، وهل تفوقت نظرية المؤامرة على ضرورة الشفافية؟. لتكن هذه الأسئلة المعقدة، خير ختام لكل ما سبق من كلام.