الشتاء والقراءة
هل هناك علاقة بين الشتاء والقراءة؟
لا يبدو أن هناك علاقة مباشرة بين الاثنين، مبدئيًّا على الأقل، خاصة في البلدان حيث الفروقات في درجات الحرارة بين الشتاء والصيف طفيفة. ثم لأن من اعتاد القراءة فسوف يقرأ حتى لو كان في حر الصيف تحت وهج الشمس أو تحت المطر أو وسط ضوضاء معمل، بل حتى لو كان داخل دبابة تحت القصف فإنه سوف يقرأ، كما كان يفعل الروائي العراقي الدكتور محسن الرملي.
وأما من لا يريدها فسوف يبحث عن أي عذر لتركها؛ كالتذرع بارتفاع حرارة الجو، أو برودته، أو النعاس، أو حتى توهم المرض، أو ربما تمنيه؛ مثل حفيدي «محمد» الذي تمنى ذات يوم أن يمرض حتى لا يضطر إلى حل الواجب المدرسي!
تقول بعض استطلاعات الرأي إن أعلى مستويات القراءة تحصل في الشتاء؛ حين يضطر الناس إلى البقاء داخل منازلهم طلبًا للدفء، يليه الصيف ثم يأتي الخريف. ويحصل الفرق في مستويات القراءة قليلًا حين يكون فرق درجات الحرارة بين الصيف والشتاء كبيرًا؛ ففي الشتاء وحين يخيم الهدوء على كل شيء، وتنتشر معالم الجمال الشتوي على العالم، مصحوبًة بأصوات جميلة من الطبيعة كصوت المطر أو الرياح الخفيفة التي تحرك الأشجار مصدرة بعض الحفيف، أو حتى الأصوات المكتومة من الرعد، وبعض قرقعة الأبواب، ونزول الثلج في بعض البلدان بهدوء، فإن كل ذلك يأخذ بتلابيب القلوب حين يغطي كل شيء، فإذا ما صاحب هذه الأمور دفء المنازل مع مشروبات ساخنة، ازدادت الراحة النفسية، وهو ما يسهم في تنامي المشاعر الوجدانية لدى الناس عامة، ومن ثم يحفز الإبداع ويطلق العنان للخيال لكي يبدع أكثر، منعكسًا سيولة في الأقلام أو حركات سريعة على لوحات المفاتيح.
كل هذا صحيح؛ لكن ما ينبغي لكل من القارئ الذي وصل إلى مستوى لياقة القراءة، والكاتب المحترف الذي يرى الكتابة صناعة، أن يتأقلم مع بيئته، وأن يعد كل ما حوله محفزًا على أداء مهمته، غير منتظر لتحولات الجو وتبدلات محيطه حتى يبدع. نعم يمكن لبعض هذه الأمور أن تشحذ من همته وتدفعه نحو مزيد من العطاء، لكن غيابها ينبغي ألا يعطل شيئًا من ذلك.
لكن هناك من أساء استغلال فكرة تأثير الطقس على الإبداع والذكاء بشكل عام وأخذها إلى أبعد من ذلك بكثير حين وضعها أساسا لنظرة عنصرية تقول بتفوق سكان شمال الكرة الأرضية على سكان جنوبها اعتمادا على برودة الطقس بشكل عام في الشمال وسخونته في الجنوب.