خدمة العملاء
يأتيني مناقشًا ومستفسرًا عن الحال بما يريده ويتمناه لا من حيث الواقع والحقيقة، والتي - ربما - تكون مؤلمة، وإذا سمع مني ما لا يتمناه ويرغبه تقع المشكلة، وتكون ردة الفعل متسرعة وغير مدروسة، والسيطرة كلها بيد العاطفة في وضعها المذموم، والعنوان الواضح اللائح لذلك اللقاء هو اللالمبالاة بواقع الحال مطلقًا.
هذا ما يحدث - وبكل أسف - مع البعض، وكأنه يخال نفسه عميلاً يطلب خدمة، ويريد أن يخرج راضيًا مسرورًا بعد أن تم تلبية طلبه.
خدمة العملاء وحصول العميل على الرضا الكامل لا تصلح في كل موقف ولا في أي مؤسسة، وخصوصًا إن كان ذلك في مؤسسة تعليمية وتربويّة كالمدرسة، هنا يظهر الفرق شاسعًا وكبيرًا، وحجمه يناسب حجم الرسالة التي تُقَدَّمُ من قبل المعلمين لأبنائهم الطلاب. إن خدمة العملاء وما يترتب عليها من محاولة إحراز رضا العميل حيث هو الهدف الأبرز والأهم وربما الأوحد لدى الشركات التي تقدمها، هي مختلفة تمام الاختلاف عن الخدمة «الرسالة» التي يقوم بها المعلمون بأهدافها وغاياتها النبيلة، والتي يرجون منها وقبل كل شيء إحراز الرضا من قبل رب العالمين.
قد يكون هناك بعض التشابه الطبيعي بين الخدمتين، أي خدمة العملاء وخدمة «رسالة» تعليم الأبناء من حيث المسمى والمعنى اللفظي، وكذلك فإن كلا الخدمتين تحتاجان إلى عمل وتخطيط وتطوير، ولكن ذلك لا يعني ألبتة الخلط بينهما وكأنهما شيء واحد، فهما مختلفتان تمامًا عن بعضهما البعض في الغاية، فخدمة العملاء غايتها رضا العميل وبالتالي تكرار شرائه للمنتج، أما التعليم فهو أمانة ورسالة وضمير، وغاية هذه الخدمة هي إنشاء وتربية جيل صالح، وذلك الاختلاف البارز يقتضي منا أن نتجنب الزيف، وأن نظهر الأمور بحقيقتها وواقعها، ومن ثم نحاول التقويم والتعديل فيها، مع كامل الاستفادة من الإمكانات المتاحة والأدوات اللازمة لذلك.
عندما يلتقي المعلم وولي الأمر، وتكون مكونات غطاء ذلك اللقاء هي: المجاملة وعدم الواقعية والمديح غير الحقيقي والمستوى المتميز للطالب وهو ليس كذلك، مع انتهاء اللقاء دون فائدة تذكر، ويكون الجميع من ولي أمرٍ ومعلمٍ وإدارةٍ مدرسةٍ في خانة الرضا والسعادة، فهل هذا الغطاء المترهل بمكوناته غير الصحية سيصمد إن غاب عنه أهم مكون له ألا وهو الصدق؟!
هذا التخدير غير المبرر والذي لا نحتاجه في عملية التعليم سيضع ولي الأمر في خانة السلبية، وسيلغي جُلَّ دوره إن لم يكن كله في تعليم أبنائه وتدريبهم لإتقان المهارات المدروسة؛ مما يؤثر سلبًا في تخطيهم للمراحل التعليمية القادمة وربما التعثر فيها، وكذلك فإن ذلك التخدير سيطال المعلم - شئنا أم أبينا - وسيجعله في خانة الراحة الجزئية، فكل ما في الأمر بعض المجاملات ومزيد من الدرجات، مع إغفال كامل للدور الحقيقي له، فخدمة العملاء ورضاهم قد تحققت بأقل جهد وأدنى أداء، ومع استمرار التخدير يستمر الضرر.
عملاؤنا في المدرسة هم أولياء الأمور، وهم عملاء من نوع آخر، حيث إنهم مشاركون حقيقيون في خدمة أبنائنا الطلاب، وعليهم القيام بأدوار هامة وجسيمة تجاههم، ولن يتمكنوا من القيام بتلك الأدوار أبدًا إذا كانوا في وضعية التخدير، وتهميشهم يعني جعلهم عملاء عاديين «عملاء شركات»، فهم غير مطالبين بأي دور.
علامة الاستفهام المهمة والتي تفرزها الأمانة ولوازم الرسالة ومفردة الضمير والمآلات الكارثية لهكذا نوع من خدمة العملاء:
أين هي مصلحة الطالب من كل ذلك؟!