أيتها المرأة:كفى بعدا عن الزهراء (عليها السلام)

الأستاذ بدر شبيب الشبيب * مقال نشر في كتيب برنامج الليالي الفاطمية ( عروجاً إلى فاطمة ) بأم الحمام 1430هـ

عزيزتي المرأة: أنت تحبين فاطمة الزهراء عليها السلام، هذا أمر لا أشك فيه، ولكن الحب يستدعي السير في طريق المحبوب للوصول إليه، وليس السير في الاتجاه المعاكس والابتعاد عنه.
فالحب ليس ادعاء أو كلمات تلوكها الألسن، الحب فعل وممارسة ومن دون ذلك لا يكون حبا.
(قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ‏)
سيدتي العزيزة: أرجو أن تسألي نفسك هذه الأسئلة وأن تجيبي عليها بكل شفافية وصراحة:
- كم كتابا قرأت عن الزهراء عليها السلام؟
- هل تستطيعين كتابة مقال واحد عن حياة الزهراء عليها السلام مستعينة بمخزون ذاكرتك فقط؟
- ماذا تعرفين عن الزهراء عليها السلام في كل دور من أدوار حياتها المختلفة بنتا وزوجة وأما؟
- هل قرأت شرحا واحدا للخطبة الفدكية للزهراء عليها السلام؟
- هل تحفظين خمسة أحاديث في فضل الزهراء عليها السلام؟
- هل تحاولين في حياتك الاقتداء بسيرتها العملية الناصعة، وكيف ذلك؟
ربما وللأسف الشديد نجد أن بعض النساء تقرأ عن الفنانين والفنانات وتفاصيل التفاصيل في حياتهم الخاصة والعامة أكثر مما تقرأ عن الزهراء عليها السلام، فهل هذا دليل حب الزهراء التي نرجو شفاعتها يوم القيامة؟!!
المسألة في غاية الجد ولا تحتمل التأجيل، فإذا كنا نعتقد أن الزهراء سيدة نساء العالمين فلنجعلها كذلك في واقعنا، فلا سيدة أخرى فوقها، ولا صوت امرأة أخرى يعلو صوتها.
عزيزتي: هل تعرفين كيف وصلت سيدتنا الزهراء لهذا المقام؟! هل من خلال اهتمامها بالأمور المادية في حياتها من فساتين وعطور وماكياج وتسريحات، أم من خلال اهتمامها بالأمور المعنوية من علاقة عبادية خالصة لله تعالى وارتباط روحي خاص بسيد المرسلين (عليه الصلاة السلام) حتى أصبحت ( أم أبيها )، وحتى قال عنها وهو الذي لا ينطق عن الهوى: فداها أبوها، فداها أبوها، فداها أبوها. وكذلك من خلال رعايتها لبيت الزوجية الذي جعلت منه سكنا وسكينة فأنجب للعالم أطهر الناس: " فيه رجال يحبون أن يتطهروا " ، أولئك الرجال الذين أصبحوا مثال الإنسان الكامل بشهادة سورة ( الإنسان ) التي نزلت فيهم، فمن أراد أن يكون إنسانا فلن يجد سبيلا خيرا من سبيلهم.
سيدتي: تأملي في هذه الصور من حياة فاطمة عليها السلام وانظري كيف كان يكثر رسول الله (عليه الصلاة السلام) التركيز على الصبر على مشاق الدنيا للفوز بنعيم الآخرة، فالدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة، ولذا اشترط على أوليائه الزهد في درجاتها الدنية فشرطوا له ذلك كما ورد في دعاء الندبة.


الصورة الأولى:

وقفت فاطمة الزهراء عليها السلام ذات مرة بين يدي أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فنظر اليها ، وقد بدت آثار التعب على وجهها ، من شدة الجوع والكفاح ، فوضع يده الكريمة على صدرها ، ورمق السماء بطرفه ، وراح يدعو لها ، والدموع تترقرق في عينيه ، وهو يقول : « يا فاطمة تجرعي مرارة الدنيا ، لحلاوة الآخرة »

الصورة الثانية:

يقول جابر بن عبدالله الأنصاري رحمه الله : رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ابنته فاطمة ، وعليها كساء من أجلة الإبل ، وهي تطحن بيدها ، وترضع ولدها ، فدمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال : يا بنتاه تجرعي مرارة الدنيا لحلاوة الآخرة ، فقالت : الحمد لله على نعمائه ، والشكر لله على آلائه.

الصورة الثالثة:
قصة تسبيح الزهراء ( المعنويات البديل الأبقى )
روي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال لرجل من بني سعدٍ : ألا أحدّثك عنّي وعن فاطمة الزهراء ( سلام الله عليها ) ؟ إنّها كانت عندي فاستقت بالقربة حتّى أثّر في صدرها ، وطحنت بالرحى حتّى مجلت يداها ، وكسحت البيت حتى اغبرّت ثيابها ، وأوقدت تحت القدر حتى دكنت ثيابها فأصابها من ذلك ضرّ شديد ، فقلت لها : لو أتيت أباك فسألته خادماً يكفيك حرّ ما أنت فيه من هذا العمل .
فأتت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فوجدت عنده حداثاً ، فاستحيت فانصرفت ، فعلم صلى الله عليه وآله وسلم أنها قد جاءت لحاجة ، فغدا علينا ونحن في لحافنا ، فقال : السلام عليكم ، فسكتنا واستحيينا لمكاننا ، ثم قال : السلام عليكم ، فسكتنا ، ثمّ قال : السلام عليكم ، فخشينا إن لم نردّ عليه أن ينصرف ـ وقد كان يفعل ذلك فيسلّم ثلاثاً ، فإن اذن له وإلا انصرف ـ فقلنا : وعليك السلام يا رسول الله ادخل ، فدخل وجلس عند رؤؤسنا ، ثمّ قال : يا فاطمة ما كانت حاجتك أمس عند محمّد ؟ فخشيت إن لم نجبه أن يقوم ، فأخرجت رأسي فقلت : أنا والله اخبرك يا رسول الله ، إنّها استقت بالقربة حتى أثّر في صدرها ، وجرّت بالرحى حتى مجلت يداها ، وكسحت البيت حتى اغبرّت ثيابها ، وأوقدت تحت القدر حتى دكنت ثيابها ، فقلت لها : لو أتيت أباك فسألته خادماً يكفيك حرّ ما أنت فيه من هذا العمل .
قال : أفلا اعلّمكما ما هو خير لكما من الخادم ؟ إذا أخذتما منامكما فكبّرا أربعاً وثلاثين تكبيرة ، وسبّحا ثلاثاً وثلاثين تسبيحة ، واحمدا ثلاثاً وثلاثين تحميدةً . فأخرجت فاطمة رأسها وقالت : رضيت عن الله وعن رسوله ، رضيت عن الله وعن رسوله.
عزيزتي المرأة: هذا قليل من كثير من مدرسة الزهراء، فلنقتبس شيئا من نورها لنضيء به ظلام المكان والزمان ولنطهر أرواحنا من أوساخ الغفلة والنسيان.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 6
1
المستقل
[ ام الحمام - القطيف ]: 16 / 6 / 2009م - 4:55 م
عزيزي ابو احمد اقدر ولائياتك الجميله تجاه اهل البيت و لكن يؤسفني ان نخاطب المرأه بهذا الطرح المعلب الذي تناوله الكثير من ضعاف خطباء المنبر الحسيني مع ما اكنه لهم من احترام و تقدير . ليس عيبا ان تهتم الانثى بشئون زينتها على العكس هذايتناسب مع انوثتها و لا يتنافى مع ارتباطها مع سيدتنا الزهراء .من المعيب ان نشعر المرأه دائما بالدونيه رغم ما نراه منها من عطاء على المستوى الفكري و العملي و التضحوي. انا لا انفي بوجود ممارسات غير لائقه و لكن من المفترض ان تعالج من خلال دراسات مستوفيه حول الجانب السيكولوجي و البيلوجي للانثى لا من خلال خطابات من هنا و هناك توجه اللوم كما هو المألوف . اخيرا مهم ان نركز على مرحلة بناء للفكر الانساني تجعله مرتبطا بأهل البيت من خلال ثقافه رصينه و وعي و نضح . تقبل تحياتي
2
الشادور
[ أم الحمام - القطيف ]: 17 / 6 / 2009م - 11:15 ص
الأستاذ / بدر الشبيب
أشكرك على إهتمامك وحرصك على عفة حواء ، ولكنني أتفق مع ما ذهب إليه الأخ / المستقل . والذي أرى إنه من العقلاء في الطرح والتفنيد . وشكرا
3
المستقل
[ ام الحمام - القطيف ]: 17 / 6 / 2009م - 4:47 م
تحية لك ايها الشادور على مداخلتك الجميله و شكرا لثناءك الجميل على مداخلتي . لقد اعجبني اختزال تعليقك الرائع من خلال مسماك الجميل الذي يجمع بين الحشمة و الاناقه فهنيئا لك على هذه المداخله الرصينه الواعيه .
4
بدر الشبيب
[ أم الحمام - القطيف ]: 17 / 6 / 2009م - 9:59 م
أخي العزيز المستقل
أخي العزيز الشادور
شكرا لكما على منحكما مقالي بعض وقتكما وشكرا على تواصلكما..
أقدر رؤيتكما.. لم أقصد في مقالي خطاب المرأة خطابا دونيا.. ولكن كان هدفي التركيز في زمن الماديات المتمادية على جوهر المرأة أعني معنوياتها التي أوصلت الزهراء وخديجة ومريم وآسية بنت مزاحم وغيرهن كثير إلى ما وصلن إليه.
هذا ما قصدته فإن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي.
أخيرا أؤيد دعوة الأخ المستقل إلى ضرورة المعالجة العلمية لكل قضايانا بما فيها هذه القضية.
تقبلوا قبلاتي..
5
المستقل
[ ام الحمام - القطيف ]: 18 / 6 / 2009م - 5:56 ص
شكرا لاهتمامك بمداخلاتنا من خلال ردك الموفق و ثق ان الصواب طبعك و لكن عندما استشهدت بالسيده الزهراء و اهتمامها بالجوانب المعنويه تاركة خلفها كل الماديات اقول هل لاحدنا اب كرسول الله و ام كخديجه و لكن اقول ما قال امام المتقين ( اعينونا بورع و اجتهاد و عفة و سداد ) و اخيرا نسأل الله ان يهيء لنا السبل للاقتداء بمحمد و ال محمد و ان يحسن خواتيم اعمالنا. و لك مني فائق التقدير مكررا شكري لك لتحملك عناء الرد على مداخلاتنا لضيق وقتك و كثرة انشغالك ودمت موفقا.
6
بدر الشبيب
[ أم الحمام - القطيف ]: 19 / 6 / 2009م - 10:26 ص
الأخ العزيز المستقل
والشكر لك أيضا على ردك على الرد.. هذا دليل اهتمامك وحرصك على إنضاج الأفكار.. فكما قال الإمام علي (ع): اضربوا بعض الرأي ببعض يتولد منه الصواب.
شاعر وأديب