ويبقى الحسين لغة أخرى
لا زلنا نستلهم من كربلاء الحسين الدروس والعِبر التي نستضيء بهديها؛ لنرسم لنا من وحيها خارطة طريق تصل بنا إلى ساحل النجاة. وكما روي عن الإمام الصادق : "كلنا سفن النجاة ولكن سفينة جدي الحسين أوسع وفي لجج البحار أسرع". لذا لا نزال نجد من يبذل الغالي والنفيس لكي يكون من الراكبين في سفينة الحسين ، ليفوز فوزًا عظيمًا.
وبما أن الطريق إلى الحسين بعدد أنفاس المحبين، فقد تعددت أساليب التعبير عن هذا الحّب وهذا الفناء في الحسين ، ولعلّ هذا المعنى هو ما دفع الكاتبة أفنان المهدي، لكي تقترب من سفينة الحسين ؛ لتأمن بدخولها النجاة من الغرق، ولتُسهم -أيضًا- في نجاة من يقرأ سطورها الجميلة، التي اختزلتها في نصوص مكثفة تجمع بين قوة المعنى ونظارة الأسلوب، مع استحضارها لمفردتي: العَبرة والعِبرة، وهما خلاصة المشهد الكربلائي الخالد.
فالكاتبة أفنان ترى أن واقعة كربلاء عظيمة "والأعظم أن تسري روح البسالة ورفض الاستبداد لتحريك كيان الأمة"، وهذه هي العِبرة التي نستقيها من كربلاء الحسين ، فنحن لا نبكي فاجعة عظيمة! ولا حادثة تاريخية قديمة فحسب! بل، نحيي قيمًا عظيمة تحتاجها الأمة وتستفيد من دروسها المتجددة والعظيمة، فالحدث الكربلائي يتجاوز حدود المكان والزمان، لمن يقرأه بوعي ويقتبس من نوره، فالحسين من ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾[الأنعام: 90].
هي نصوص مختزلة، لكنها تحلّق بأرواحنا لنعيش مع الحدث الكربلائي الذي حاول الطغاة أن يمحوا معالمه بقتل الحسين وقتل قضيته؛ إلاّ أن الحسين بقي شامخًا وقد خذل الله أعداءه إذ حسبوا أنهم بحزّ الرأس ورفعه فوق رمح طويل، سيميتون قضيته! وما علموا أن هذا الصنيع قد ساهم في ارتفاع "المبادئ والقيم بارتفاع الرأس الشريف" –كما تشير الكاتبة- أكثر وأكثر!
وما أجمل مقولة أفنان حين قالت: إن "السرّ في عظمة الحسين وتجدد قضيته.. ذوبانه وفناؤه في خالقه"، وفي هذه العبارة درس عظيم لنا، إذ ينبغي أن نعيش هذا التجلي؛ لنقتبس شيئًا من عظمة الحسين ، فـ"الحسين أقرب طريق لله".
كتاب يحوي أكثر من رؤية حسينية، أجادت الكاتبة الزينبية -أفنان- في اقتناصها من وحي كربلاء الحسين ، لذلك هو كتاب جدير بالقراءة.
ويبقى الحسين لغة أخرى.