المرأة الإنسان المستعبد و الذكورية المتسلطة

المشهد الذي لم يمت

 

تعيش المرأة في المجتمعات العربية و الإسلامية واقع متخلف بالرغم من كل هذه الثورة العلمية التي تكتسح العالم و كما وصف المفكرين العرب إننا نعيش زمن " القرية الكونية " و لا تزال الثقافة الذكورية هي المسيطر على المشهد الإجتماعي و الثقافي على حد سواء و الحكايات أكثر من أن تحصى.

لا تزال المرأة تعاني من الحرمان لكثير من حقوقها التي نصت عليها الشرائع السماوية و الأتفاقيات الدولية.

خليجياً, المرأة تواجه تحديات التي تحد من حريتها أو تسلبها السلطات الذكورية التي لا ترى في المرأة سوى وعاء جنسي و قد و ثقت المنظمات الحقوقية الدولية الكثير من قضايا إنتهاكات المرأة في الخليج كالبحرين و الكويت والسعودية ,

و ناشدت المنظمات الحقوقية إيقاف كافة أشكال التمييز ضد المرأة لا سيما في السعودية حيث يسهل ملاحظة التمييز العنصري القائم على الثقافة الذكورية بالرغم من توقيع المملكة العربية السعودية على إتفاقية سيدو ( CEDAW ) التي إنضمت إليها في سبتمبر / أيلول 2000م.

و قد تناول الإعلام الغربي وبالخصوص الأمريكي نقد وضع المرأة في السعودية حيث سخر من قرار دخولهن مجلس الشورى و لا يسمح لهن بقيادة سيارتهن الخاصة في محاولة لتأكيد استمرار الثقافة الذكورية المتسلطة على المرأة.

و أعتقد لا يمكن الكتابة عن الثقافة الذكورية المتفشية دون إيضاح مفهوم السلطة و الإستعباد و دورهما في تعزيز المشهد الذكوري.

يعرف ماكس ويبر إن السلطة هي الفرصة المتاحة أمام الفرد أو الجماعة لتنفيذ مطالبهم في مجتمع ما في مواجهة من يقفون حائلاً أمام تحقيقها. و للكاتب مراد كلاطي رؤية إن السلطة تتمظهر كأداة قمعية و إيديلوجية." إنها ظاهرة في الأخير ترينا الوجه الأبيض في الواجهة، وحين نقترب منها تتبدل ألوانها."

يعود أصل كلمة الإستبداد إلى كلمة المستبد (Despot) مشتقة من الكلمة اليونانية ديسبوس (Despots). و تعني رب الأسرة، أو سيد المنزل أو السيد على عبيده و بحسب رأي أ.د. عبد الجليل كاظم الوالي إنها توسعت من الإستبداد الأسري إلى الإستبداد السياسي " تطلق على نمط من أنماط الحكم الملكي المطلق الذي تكون فيه سلطة الملك على رعاياه ممثلة لسلطة الأب على أبنائه في الأسرة أو السيد على عبيده."

إسلامياً تعتبر السلطة المطلقة شكلاً من أشكال الفساد و التي قد تساهم في نشر الإستبداد كثقافة , المثير للدهشة إن الإستبداد إرتبط إرتباط تاريخياً بالرجل و إن الكثير من المستبدين كانوا رجالا مارسوا الذكورية لا سيما حينما يتصل الموضوع بالمعتقلات كما في العصر الحالي حيث عانت الكثير منهن من الإغتصاب تارة و من التحرشات الجنسية تارة آخرى كتعبير عن الثقافة الذكورية السادية كما حدث للشابة البحرينية السيدة ريحانة الموسوي حيث أجبرت على التعرية كاملاً كما تنقل المحامية البحرينية الناشطة ايمان الحبيشي , و في السعودية إنتشر مقطع فيديو تظهر فيه إمرأة تفضح التحرش الجنسي اللفظي الذي صدر من رجل المباحث بحسب قولها. قليل ما يذكر إن المرأة كانت تمارس الإستبداد ضد الرجل بينما الرجل قد يمارس الإستبداد على مثيله و المرأة بشكل فاقع كما حدث في عهد صدام حسين و معمر القذافي.

و يؤكد الكاتب أحمد محمود القاسم دور الثقافة الذكورية و كيف تجعل من المرأة كائن هش غير قادر على الدفاع عن نفسه بل و قد تستلذ بها أيضا من خلال تجهيلها. " الثقافة الذكورية، تتجلى وتنصب معظمها في النظرة الى المرأة العربية بالذات، وتهدف الى اضعاف المرأة وتهميشها وقهرها واذلالها، ومحو شخصيتها من الوجود، وشل حركتها، بحيث تكون المرأة فيها ضعيفة ومستضعفة، الى ابعد حد ممكن، حتى تصبح طيعة وسهلة بيد الرجل العربي والشرقي بشكل عام، يتحكم بها ويشكلها كالعجينة، وقتما يشاء، وكيفما شاء."

و من المشاهد الذكورية التي كنت أسمعها من بعض الشباب فكرة الإرتباط بزوجة من فتاة صغيرة في السن حتى يتمكنوا من السيطرة على تفكيرها بحسب قولهم.

ذكريات الطفولة.

حينما كنت طفلاً تعودت في شهر رمضان بعد وجبة الإفطار أن أساعد إمي و أخواتي في غسيل أواني المطبخ من تلقاء نفسي. وفي ذات مساء جاء أخي الأكبر و قال لي: "دعك من هذا كله و هذا ليس مسؤوليتك بل مسؤولية أخواتك ." و لأني ذلك الطفل الذي لا حول له ولا قوة إلتزمت بالأمر.!

ما آثار في ذاكرتي هذا الحدث هو تكرار ذات المشهد ولكن بطرق مختلفة حيث لا تزال المرأة تعامل على أنها الخادمة المستعبدة في شهر رمضان بالخصوص!

و في حديث ودي عن هذا السلوك تنقل أحد المبتعثات عن زوجها " زوجي لا يستطيع حتى عمل بيض مقلي و بل حتى أجهز له المعسل " النارجيلة." !

المثير للدهشة أن بعضهن يقبلن و يشرعن الثقافة الذكورية من خلال التربية الخاطئة التي تؤكد إن الفتى ليس مكانه المطبخ أو حتى ليس من مسؤوليته أن يهتم بما يحدث في المنزل من نظافة أو غيرها من أمور المنزل.

و الحال أيضا مع الفتيات حيث أن بعضهن غير قادرات على عمل أبسط الأمور المنزلية بل حتى الحياتية مما يكرر ذات المشهد.

يظن البعض إن مشاركة الرجل مع المرأة " الأم , الزوجة , الأخت " في المسؤليات المنزلية أو حتى الأسرية ترف نسائي و في أحسن الأحوال الهروب من خلال إقحام بعض المفاهيم الاجتماعيه التي تخدم رغبته في عدم تحمل المسؤلية كـ " النساء أعلم بأنفسهم منا نحن معشر الرجال كما نحن أعلم بأنفسنا" و الكثير من المفاهيم التي تلقي كامل المسؤولية على المرأة.

أعتقد إن معالجة مشكلة الإستعباد و الذكورية لا يتم إلا من خلال إعادة النظر في الموروث الديني و الإجتماعي و الثقافي و ينبغي خلق ثقافة جديدة تقوم على إعادة التوازن في العلاقة بين المرأة و الرجل على أساس الشراكة و ليس النظرة الدونية .