تصفية الحسابات
تقوم المؤسسات التجارية الكبيرة والصغيرة عادة بتصفية حساباتها وعمل جرد دوري لمعرفة الحسابات والوضع المالي والالتزامات المالية وتحديد مستوى السيولة والنقدية وسداد الديون ومطالبة المديونيات المستحقة للمؤسسة، هذا بالإضافة الى معرفة الربح والخسارة وعلى ضوئه يتم تحديد الاتجاه الذي ستسلكه المؤسسة وفقاً لتلك المعطيات.
إلا أن تصفية الحسابات اصبح لها مدلول آخر يختلف عن الأمور التجارية والاقتصادية خاصة لدى الدول والحكومات وحتى لدى المجتمع، اما بالنسبة للدول فعادة ما تقوم بتصفية حساباتها مع دول اخرى، أو مع مجموعات ومنظمات سواءً كانت موجودة على ارض الوطن او خارجه، وبالتأكيد عندما تطلق كلمة تصفية الحساب يتبادر الى الذهن فوراً انها نوع من انواع العقاب سيتم بحق تلك الدولة او المجموعة، وما يهمنا هنا تصفية الحسابات التي تقع في داخل المجتمع بين افراده وبين مؤسساته، فماهي اسباب تصفية الحسابات سواءً للمجموعات او الدول؟
من الأسباب الرئيسية لتصفية الحسابات الضعف او القوه، فالضعف حين يكون الانسان في فترة ما لا يستطيع ان يأخذ حقه من احد خصومه لفقر او عجز او مرض او صغر او خوف، فيراكم في نفسه كل الاخطاء والإساءات بحقه من قبل الآخرين ويتحين الفرصة التي يستطيع ان يكون قادراً على ان يأخذ حقوقه كاملة ويقتنص تلك الفرصة فيصفي حسابه مع الطرف الآخر.
وفي بعض الأحيان يكون الطرف قوي جداً لكنه يترك خصمه يمعن في الخطأ حتى يقتص منه في فترة لاحقة ويتفرغ له ويأخذ كل حقوقه منه بقوه وعنف، وما يربط بين الضعف والقوه هو حالة الحقد التي تستشري في داخل النفس وعدم مصارحة او مكاشف الطرف الآخر بالأخطاء لتتراكم بعده كمية كبيرة من تلك الأخطاء وتنموا اشجار الحقد لتستعر نار الغل في الصدر لتصل الى أن تصفى بطريقة عنيفة جداً.
والمتابع لما يجري في كثير من الساحات الاجتماعية والدينية والسياسية يلاحظ في كثير من الأحيان تحدث تصفيات للحسابات بطريقة سيئة تخرج عن كل الأعراف والأخلاق، فتسقط كل المبادئ وتنهار كل القيم بسبب تلك الحالة من تصفية الحسابات، ويكون التشهير احدى تلك الوسائل لتصفية الحسابات دون خوف من ضمير او مراعاة للحق، وهنالك فرق كبير بين النقد البناء وبين تصفية الحسابات، فالنقد يكون لعمل معين يقوم به شخص او مؤسسة سواءً كانت دينية او اجتماعية، بشكل موضوعي ومنطقي وغير مشخصن، فهو يتجنب نقد الاشخاص وإنما يحكم بالأعمال الظاهره دون الخوض في النوايا والاشخاص.
اما تصفية الحسابات التي تحدث للأسف تكون بشكل يمعن الشخص بالشخصنة والإساءة فيصل الى اسوأ حالات العنف والظلم وتنهار منظومة الاخلاق وتسقط جدران التدين وحواجز الانصاف فيصل الانسان الى ان يفقد شرف الخصومة مع الآخرين وخاصة بين المؤسسات الدينية والاجتماعية، وربما يكون الحسد دافعها الرئيسي او ربما الفشل من بلوغ المستوى للمنافسين له.
وهنا يقول الله عز وجل في كتابه الكريم: ﴿أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾