من أجلتحصن مجتمعاتنا من الداخل
حالة الانقسام والتشتت التي تعيشها بعض المجتمعات تُعتبر من الثغرات التي تنفذ منها الجماعات الإرهابية لتحقيق أهدافها ومآربها السيئة، وتستغلها للولوج داخل البنية الاجتماعية، والتمدد كالأخطبوط بين فئات المجتمع ووسط أبنائه، بل ربما هي من يعمل على بث الكراهية والتحريض بين الناس، وتغذية حالات الانقسام والتفتيت، وإشاعة الفوضى والإرهاب، ونشر الخراب والدمار، وممارسة التدميروالعنف بشكلهالصارخ، كون كل ذلك هو الأرضية المناسبة لنموها السريع، ويتيح لها التغلغل بين الناس، ويسهل لها تمرير مخططاتها التدميرية الخبيثة.
لذلك يسعى الإرهابيون دائماً من خلال عملياتهم الإرهابية إلى إشاعة الفوضى والاضطراب في المجتمعات الآمنة المطمئنة كي يزرعوا فيها الخراب، ويتمكنوا من تمرير وتنفيذ أجنداتهم الخبيثة، والادعاء بأنهم قادرين على الوصول إلى حيث يريدون، واستهداف الأمكنة التي يريدون ضربها، وإثارة الفزع والخوف بين الناس، وكل ذلك بهدف إحداث حالة من الفرز الطائفي والمذهبي لإثارة الفتنة والبغضاء والكراهية، وتغذية حالات الانقسام والفرقة والتشتت.
لقد أراد الإرهاب ضرب نسيج المجتمعات المستقرة، وإدخال المناطق المتداخلة والمختلطة مذهبياً في توترات واحترابات داخلية تنسخ ما يجري في بعض المناطق المضطربة، وجرها للانزلاق نحو إثارة النعرات الطائفية والمذهبية، وهو الأمر الذي سيؤدي إلى المس بالسلم الأهلي، والاستقرار الاجتماعي، ويؤسس لقاعدة احتراب داخلي ستكون لها عواقب وخيمة وأثمان كبير.
غير أن اليقظة والانتباه التي تتحلى بها المجتمعات المتوحدة يمكن أن تفوت على الأعداء خططهم الخبيثة في إثارة الفتنة والبغضاء، أو العزف على أوتار الطائفية البغيضة، أو استغلال النزاعات الفئوية والعرقية والطبقية، والتي تهدف إلى النيل من وحدة المجتمعات واستقرارها. لذلك فإن المجتمعات التي تعي أهداف هذه الأعمال الخبيثة، وتتنبه لمخاطر حالة الانقسام والتشتت، ويتحصن أبنائها بوحدتهم في مواجهة هذه المخاطر، لن يكون لمثل تلك الجماعات قدرة النفاذ بينها، والعبور وسطها وشق صفوفها.
فحين يتوحد كل أطياف المجتمع وأبنائه، تضعف البيئة الحاضنة لهؤلاء المغرضين، ويصبحون محاصرين ومنبوذين من قبل أغلبية الناس. فالظواهر السيئة لا تنمو في المجتمعات المتوحدة والمستقرة، في حين يمكنها النمو والتمدد وممارسة أعمال التخريب في المجتمعات المضطربة والتي تفتقر إلى وحدة أبنائها.
إن حالة الأمن والاستقرار التي تعيشها بعض المجتمعات يعود إلى وعي الأغلبية فيها وإدراكهم بخطورة الظواهر الخبيثة. فالتلاحم الشعبي في مواجهة هذه الظواهر دائما ما يفوت الفرصة على من يريد النيل منهم، حيث يتشكل إجماع شعبي على رفضها والتصدي لها، بالإضافة إلى قدرة الفئات أو الأطراف المكونة لهذا المجتمع أو ذاك على الوقوف صفاً واحداً أمام مثل هذه الظواهر الشاذة، على الرغم مما يمكن أن يوجد بينها من خلافات واختلافات.
إن قدرة مكونات أي مجتمع على مواجهة المخاطر التي تتعرض لها ينبغي أن تنطلق من فكرة الانفتاح على الآخر والشراكة معه والقبول به والتعاون معه على صنع الحاضر والمستقبل، من دون الرهان على إقصائه أو إسقاطه أو اجتثاثه أو إلغائه، بل رفض أي خطاب يثير النعرات ويروج للفتنة، والعمل سويا على تنقية علاقاتها من كل شائبة تعكر صفوها، والتركيز على المشتركات وتعزيزها، والسعي إلى حل خلافاتها بالتي هي أحسن، ومعالجة اختلافاتها ضمن الأطر المتفق عليها، والتوافق فيما بينها على وضع مصلحة المجتمع العليا فوق مصالحها الذاتية.
عندما يكون الهدف من أعمال العنف والإرهاب هو تفجير أوضاع المجتمعات المحلية طائفياً أو مذهبياً أو قوميا أو أثنياً، وإثارة الضغائن والأحقاد وبث الكراهية بين أبناء الوطن الواحد، فإنه من الضروري أن تدق عالياً أجراس الخطر تحذيراً وإنذاراً، ويتوجب على الجميع الاستنفار لتحصين مجتمعاتهم من الداخل في مواجهة فكر الإرهاب والتكفير وبث الكراهية، وإعادة النظر في كل ما يمكن أن يؤدي إلى التشتت والفرقة وإضعاف اللحمة الوطنية، على أن يكون مضمون الخطاب التربوي والتعليمي والتثقيفي والإعلامي الموجه يحمل كل القيم الإيجابية، التي تحث على التسامح والاعتراف بالآخر المختلف والتعايش معه والقبول به كما هو، وأن تكون هذه القيم مزروعة بين أفراد المجتمع، وجزئاً أصيلاً من تربية كل فرد وتفكيره.