الاستثمار في الثقافة.. خطوتنا الواعدة
لم تعد الثقافة مجرد حزمة تنويرية همها الكبير والوحيد إحداث تحولات وتموجات فكرية وإنسانية، رغم قيمة وأهمية ذلك، ولكنها الآن تُمارس أدواراً ووظائف أكثر تعقيداً وتأثيراً.
الثقافة تخلّت عن كل تلك الصورة الباذخة التي رسمتها في فكر وذائقة المجتمعات والشعوب والأمم لقرون طويلة، لتبدأ صفحة جديدة عنوانها الكبير: الثقافة كفعل اقتصادي مربح له أدواته وآلياته، بل وقوة ناعمة عظمى لها مقوماتها وتأثيراتها، الثقافة الآن، كمنظومة اقتصادية أو ما بات يُعرف باقتصاد الثقافة، قفزة ذكية لتلعب الثقافة بمختلف أشكالها ومستوياتها أدواراً محورية وأساسية في أجندة القرن الجاري.
لقد بات من الضروري الإسراع في صناعة الاستثمار الثقافي، والمتمثل بنشر وتسويق الإبداع الثقافي، وتأهيل وتدريب الكوادر، وإنشاء بنية تحتية ثقافية، وذلك للوصول للمرحلة الأهم وهي جني الأرباح والمكاسب المالية والثقافية، لضمان استمرار هذا القطاع الحيوي كأحد الروافد والمرتكزات الأساسية في سياسات التنمية الشاملة والمستدامة.
الثقافة الآن، تجاوزت تلك الأدوار والوظائف التقليدية كالقراءة والكتابة والنشر وتوجيه المشاعر وصياغة القيم وغيرها من الواجبات المهمة والضرورية التي مارستها الثقافة لقرون طويلة، فقد أصبحت أحد المداميك المهمة في الاقتصاد العالمي، حيث تُساهم في ضخ المليارات لخزائن الدول، وتوفر الوظائف والفرص لملايين البشر. الثقافة الآن، تُدار كما لو كانت صناعة تُنتج الكثير من السلع والبضائع، دون الإخلال طبعاً بممارسة دورها الثقافي والتنويري.
الثقافة العصرية، هي إحدى مرتكزات الاقتصاد القومي، ومنتج وطني يُساهم في تنوع وتعدد مصادر الدخل، لتتحول - الثقافة - من قطاع مترهل ينتظر الدعم والتمويل ليُنفذ مشاريعه وبرامجه الثقافية والتنويرية، إلى قطاع وجهه ناعم بملامح ثقافية وإبداعية ولكنه يُدار بشكل احترافي ومهني، تماماً كما لو كان شركة تستثمر في منتجات الثقافة التي أصبحت تُحقق أرباحاً مليارية، وتضمن الاستمرارية.
الثقافة بمفهومها الاقتصادي، ستُساهم بدورها في تحقيق التنمية الوطنية الشاملة والمستدامة، بل ويمكن استثمارها في تصميم مستقبل الوطن.
الفنون والآداب وكل أشكال ومستويات الثقافة، آن لها أن تنزل من برجها العاجي، وتُمارس أدوارها ومهامها الإنسانية والتنويرية بشكل احترافي ومهني، وأن تكون ترساً متيناً وقوياً في عجلة التنمية الشاملة والاقتصاد الوطني.