الأسد ما زال في كربلاء
بعد طرحي للموضوع السابق «ماذا يفعل الأسد في كربلاء؟ » تلقفه الأحبة القراء بالاحتفاء والقبول، وبعض الأخوة تفضلوا عليّ مشكورين ببعض الملاحظات والاستدراكات، ولعل أهمها وجود رواية أسد كربلاء في الكافي الشريف، وأنني ربما غفلت عن ذلك قبل كتابة المقال السابق، وهذا يعني بطلان ما زعمت بأنه لم ترد هذه الرواية قبل منتخب الطريحي.
وعلى منوال المقال السابق سنبدأ بإيراد الحادثة كما وردت في كتاب الكافي ج1 ص465 - 466:
« الحسين بن محمد قال: حدثني أبو كريب وأبو سعيد الأشج قال: حدثنا عبد الله بن إدريس، عن أبيه إدريس بن عبد الله الأودي قال: لما قتل الحسين أراد القوم أن يوطئوه الخيل، فقالت فضة لزينب: يا سيدتي إن سفينة كسر به في البحر فخرج إلى جزيرة فإذا هو بأسد، فقال: يا أبا الحارث أنا مولى رسول الله ، فهمهم بين يديه حتى وقفه على الطريق والأسد رابض في ناحية، فدعيني أمضي إليه وأعلمه ما هم صانعون غدًا، قال: فمضت إليه فقالت: يا أبا الحارث فرفع رأسه ثم قالت: أتدري ما يريدون أن يعملوا غدا بأبي عبد الله ؟ يريدون أن يوطئوا الخيل ظهره، قال: فمشى حتى وضع يديه على جسد الحسين ، فأقبلت الخيل، فلما نظروا إليه قال لهم عمر بن سعد - لعنه الله -: فتنة لا تثيروها انصرفوا، فانصرفوا. »
بالتأكيد أن من قرأ المقال السابق يعلم أن هذه القصة تختلف عن تلك التي ناقشتها في مقالي السابق، والتي تدور بشكل رئيسي حول تجسد الإمام علي في صورة الأسد، بينما هذه قصة مختلفة، ولم أغفل عنها.
إلا أن هناك كثير من الإشكالات التي طرحناها في مقالنا السابق تنطبق على هذه القصة، وزيادة، فنقول:
- هذه قصة وحكاية وردت في الكافي كما وردت تلك السابقة في البحار وغيره، فهي ليست رواية احتجاجية عن المعصوم ليتم الاستدلال بها، ونحن بلا شك لا يوجد لدينا كتب صحاح - كما لدى مدرسة الخلفاء - نقبل بكل ما ورد فيها.
- ذكر بعض أهل العلم ممن ناقشوا هذه الحادثة أن الرواية في سندها مجاهيل، فلا نعلم الصادق من الكاذب منهم، وهذا يجعلها قصة ضعيفة السند، ولا معضّد لها في كتب الأخبار.
- هذه الحادثة تستند على حادثة أخرى ذُكرت في بعض كتب الجرح والتعديل السنية، فمثلا يذكر الهيثمي في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، في [بَابُ مَا جَاءَ فِي سَفِينَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -]، يقول هناك:
« 15972 - وَعَنْ سَفِينَةَ قَالَ: كُنْتُ فِي الْبَحْرِ، فَانْكَسَرَتْ سَفِينَتُنَا فَلَمْ نَعْرِفِ الطَّرِيقَ، فَإِذَا أَنَا بِالْأَسَدِ قَدْ عَرَضَ لَنَا، فَتَأَخَّرَ أَصْحَابِي فَدَنَوْتُ مِنْهُ، فَقُلْتُ: أَنَا سَفِينَةُ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وآله]وَسَلَّمَ - وَقَدْ أَضْلَلْنَا الطَّرِيقَ، فَمَشَى بَيْنَ يَدَيَّ حَتَّى أَوْقَفَنَا عَلَى الطَّرِيقِ، ثُمَّ تَنَحَّى وَدَفَعَنِي كَأَنَّهُ يُرِينِي الطَّرِيقَ، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ يُوَدِّعُنَا. »
وربما تكون هذه القصة دُسّت بشكل ما في كتاب الكافي.
حين نتأمل بعين الفاحص لهذه القصة سنخرج بعدة ملاحظات تربك موقف هذه القصة أمام عدالة النقد، فنقول:
- تذكر القصة أن الأسد يعيش في جزيرة، ولا شك بأن كربلاء ليست جزيرة بل منطقة برية جافة، وبمنطوق القصة يفترض أن تكون حادثة كربلاء في جزيرة يعيش فيها الأسد بالقرب منهم.
- تتعارض القصة هذه مع إحدى أهم مشهورات المؤرخين، ومسلّمات الشيعة، وهي رض جسد الإمام بالخيل بعد مصرعه، إذ تذكر أن الأسد جاء لحفظ الجسد من القوم، ونجح في مهمته، إذ تراجع القوم عما كانوا يصبون إليه.
- بحسب القصة هذه، فإن الأمر برض الخيل لم يكن في اليوم العاشر - كما هو معلوم -، بل في اليوم الثاني!.
- حدث بمثل هذه الغرابة يفترض به أن يكون حديث رواة حادثة كربلاء من شهود العيان ومن المؤرخين، فلا يمكن إغفاله بهذه السهولة وعدم ذكره في كتب المقاتل والتأريخ الشيعية والسنية.
- على خلاف القصة السابقة، فهذه القصة لم تذكر لنا بقاء الأسد مع جسد الحسين لحراسته من...؟، لا أعلم يحرسه من ماذا؟!.
- إضافة للإشكال الذي أوردناه في مقالنا السابق، ألم يكن الأولى بفضة أن تستدعي الأسد قبل قتل الإمام ليدافع عنه؟
يحاول البعض أن يرد على هذه الحجج بأنه لا مانع من تمثيل هذه الحادثة، ويستدل بما استدل به العلماء في جواز التشبيه، ونحن هنا لا نناقش مسألة التشبيه أو التمثيل، فهناك كثير من القضايا تم تمثيلها وتشبيهها دون اعتراض، لماذا؟
لأنها تتكئ على أحداث متسالم بوقوعها، كقتل الحسين ، وحرق الخيام، وفرار النساء والأيتام، وسبيهم وضربهم.
إذن لا مشكلة لدينا مع التشبيه - المراعي للضوابط الشرعية - من حيث المبدأ، وإنما مع ما يتم التشبيه عليه إذا لم يكن حدثا حقيقيا، أو على الأقل يستند على رواية عن أحد المعصومين .