هل تحبون أعماركم «4»؟!
السفيه في الاصطلاح الفقهي هو الذي ليس له حالة باعثة على حفظ ماله والاعتناء بحاله، يصرفه في غير موقعه ويتلفه بغير محله، وليست معاملاته مبنية على المكايسة «أي الفهم» والتحفظ عن المغابنة «أي بيع الكثير بالقليل»، لا يبالي بالانخداع فيها. أو هو باختصار الذي يصرف أمواله في غير الأغراض الصحيحة. وكما هو معلوم فإن السفيه محجور عليه شرعا، ممنوع من التصرف في ماله.
تُرى أيهما أثمن: المال أو العمر؟! وأي تسمية نطلقها على من يضيع عمره دون اعتناء به، ويصرفه فيما لا يعود عليه بالنفع، ويتلفه بإنفاقه بسخاء في كل ما يشغله من مشتتات الوقت وقاتلاته. هناك الكثير من الأسئلة التي ينبغي أن نواجهها بصدق مع النفس وشفافية لنعرف أين موقع عمرنا من الإعراب. سأطرح بعض الأمثلة للتوضيح:
في أي الأنشطة تمضي معظم يومك؟
أين تصنف تلك الأنشطة داخل المربعات الأربعة «هام وعاجل/ هام غير عاجل/ غير هام وعاجل/ غير هام وغير عاجل»؟
هل تلبي أنشطتك تلك حاجات الجسد والروح والعقل والعاطفة، وبشكل متوازن؟
هل تشعر بالرضى عن أسلوبك في إدارة وقتك؟
المربع الأول «الهام والعاجل» يطلقون عليه مربع الإدارة، وهو مهم في حياتنا اليومية. الثاني «الهام غير العاجل» هو مربع القيادة الذي يعني بتحديد الوجهة، ووضع الخطط الاستراتيجية والمستقبلية. الثالث «غير الهام العاجل» هو مربع الخداع. أما الرابع «غير الهام غير العاجل» فهو مربع الضياع، حيث الأنشطة غير المجدية التي تقتل الوقت في شتى أنواع المُلهيات.
من الكلمات الرائعة للإمام علي في هذا المجال قوله: «الاشتغال بالفائت يضيع الوقت». كثير من الناس يضيعون أعمارهم في التفكير الدائم في الفرص التي ضاعت من أيديهم، بينما كان الأحرى بهم الانطلاق نحو المستقبل للتعرف على الفرص الجديدة واقتناصها في الوقت المناسب. ويقول في رائعة أخرى يجدر أن تُصدَّر بها أدبيات إدارة الوقت: «من اشتغل بغير المهم ضيّع الأهم».
في الواقع يزخر تراثنا بالنصوص المنقطعة النظير في الاهتمام بكل لحظة من لحظات العمر، وأن نستثمرها كأنها اللحظة الأخيرة المتاحة، كما في دعاء الإمام علي بن الحسين : واكْفِنَا طُولَ الأَمَلِ، وقَصِّرْه عَنَّا بِصِدْقِ الْعَمَلِ حَتَّى لَا نُؤَمِّلَ اسْتِتْمَامَ سَاعَةٍ بَعْدَ سَاعَةٍ، ولَا اسْتِيفَاءَ يَوْمٍ بَعْدَ يَوْمٍ، ولَا اتِّصَالَ نَفَسٍ بِنَفَسٍ، ولَا لُحُوقَ قَدَمٍ بِقَدَمٍ.
لو نقلنا هذا النص وأشباهه لواقعنا لكان الحال غير الحال.
دمتم بحب.. جمعة مباركة.. أحبكم جميعا.