تأويلات النص الديني والنظريات العلمية
وُضع العالم الإيطالي الشهير جاليليو جاليلي تحت الإقامة الجبرية في عام ١٦٣٣ بسبب تصريحاته المتكررة ضد الكنيسة الكاثوليكية، تحديدا في مسألة مركزية الأرض في الكون، حيث أنه قال بأن الأرض بالتأكيد ليست مركز الكون، وأن الكنيسة بالتأكيد مخطئة! مما جعله تحديا مباشرا للكنيسة، ونتيجة لذلك وضع نموذج العالم البولندي نيكولاس كوبرنيكوس «وهو نموذج للنظام الشمسي الذي ساهم في إلهام جاليليو كي يؤكد على عدم مركزية الأرض للكون» في قائمة الكتابات الممنوعة ولم يزل كذلك حتى عام ١٧٥٨. أما مصير الفيلسوف الإيطالي جوردانو برونو «١٥٤٨ - ١٦٠٠» كان الحرق بسبب اتهامه بالهرطقة، واعتقاده بأن الكون لا نهائي ومليئ بعدد لا نهائي من العوالم.
وهكذا سجّل لنا التاريخ صراعات بين العلماء ورجال الدين بسبب تعارض نظرياتهم مع مايفهم من النصوص الدينية؛ مما أوصل إلى العنف والقمع بأقسى الأساليب في بعض الأحيان، وفي هذه الأيام لازالت توجد بعض المناوشات بين الطرفين هنا وهناك، إلا أن عنصر العنف والتعدي المادي محدود جدا.
إن ما سبق يكشف لنا أن طبيعة العلاقة بين تأويلاتنا للنصوص الدينية والنظريات العلمية متوترة، فهي في الواقع مما تعددت وجهات النظر فيه. نرى مثلا من يحاول تأويل النصوص الدينية بحيث يجعلها موافقة لبعض النظريات العلمية كليّا، وهذه حسب وجهة نظر أحد العلماء منهجية خاطئة؛ باعتبار أن النص الديني ثابت والنظريات العلمية قابلة للتغيير ومحاولات الموائمة بينهما قد يكون لها “مضاعفات خطيرة”، إذ أن ذلك يوهم بأن موافقة تلك النظريات للنصوص الدينية دليل على صحة النصوص الدينية نفسها، وفيما لو اتضح خطأ نظرية ما أدى ذلك إن التشكيك في النصوص الدينية ذاتها، وهنا تكمن الأزمة. كما أنه هناك آراء للبعض متمثلة في مقولات مثل: “إذا تعارض العلم مع الدين فعلى الدين أن يراجع حساباته” وقد يفهم منها أن العلم فوق الدين منزلة، وأن الأولوية هي للعلوم فيما لو وجد تعارض.
ونجد أيضا من يرفض حقائق علمية مثبتة بحجة تعارضها تماما مع صريح ما يفهمه من النصوص الدينية، كانكار دوران الأرض أو كرويتها، وإن كان كل من الواقع والحقائق العلمية يثبتان ذلك.
ختاما،، إن تحديد المسافة التي يجب أن تكون بين العلوم التجريبية والنصوص الدينية ليس بالمسألة السهلة أبدا، خصوصا وأن المستقبل ينبئنا بالكثير من الاكتشافات والنظريات التي قد تفند ماهو سائد الآن؛ لذلك أعتقد أنه علينا ألّا نتسرع، ونتروى في حكمنا بوجود التوافق أو التعارض التام بين نظرية ما ونص ديني معين، وأنه يجب علينا ”الإكتفاء بالمقاربات التي تكون في إيطار البحث العلمي” كما قال البعض؛ كي نحافظ على علاقة متوازنة بين اليقين بالنص الديني، ومواكبة العلم الحديث ونظرياته التي تخدمنا وتساهم في جعل حياتنا أكثر تطورا.