ما وراء الابتعاث
كان لمشروع الابتعاث الذي بدأ حوالي عام 1426هـ بهدف الحصول على شهادات أكاديمية في مختلف التخصصات العلمية والتطبيقية حسناته وسيئاته.
ومن حسناته إبراز وإثبات أنه يوجد في المجتمع السعودي كفاءات وقدرات تحتاج للبيئة الأكاديمية «والإجتماعية» التي تحتضنها وتنميها، وتوجهها في المسار الصحيح كيلا تتبد تحت وطئة الاحباط. ويوجد تجارب كثيرة لمبتعثين أثبتوا من خلالها أن عددا كبيرا من السعودين استطاعوا أن يسجلوا إنجازات ذات جودة ومستويات عالية ليس على المستوى المحلي فحسب بل حتى عالميا!
ومن بركات برنامج الإبتعاث أيضا توفير فرصة لذوي المعدلات الدراسية المتوسطة للحصول على مقاعد جامعية في الخارج، لأنه - كما هو الحال - من الصعب الحصول على مقاعد جامعية مرموقة على المستوى المحلي للحاصلين على معدلات متوسطة، وكذلك لمن سحقوا تحت حوافر اختباري القدرات العامة والتحصيل الدراسي.
أما سيئات الإبتعاث فهي بنظري لم تتجاوز حسناته حتى الآن على الأقل، فهي عادة تنحصر في التأثيرات السلبية على المستوى الفردي التي يتفاوت تقييمها من شخص لآخر، فما يعده أحدهم سلبيا قد يجده الآخر إيجابيا. وربما يحصر البعض سلبيات هذا البرنامج قابلية بعض المبتعثين للتأثر سلبا بالمجتمعات التي يعيشون فيها.
بعيدا عن كل ذلك..
يختلف المبتعثون في كيفية تعاملهم مع حالة الغربة التي يعيشونها، كما أنهم يختلفون أيضا في أسباب اختيارهم للدراسة في الخارج عوضا عن الدراسة في الجامعات المحلية - حتى وإن أتيح لهم المجال للاختيار -.
الأسباب والدوافع وراء اختيار الابتعاث قد تتجاوز في كثيرة من الأحيان مجرد الرغبة في الحصول على مقعد جامعي أو تعليم أكاديمي بمستوى أعلى مما هو محليا، أو حتى لأنه الحل الوحيد - بالنسبة للبعض - لضمان الحصول على مستقبل وظيفي يلبي حاجاته.
في الحقيقة هناك من يرى الابتعاث شيئا أكبر من ذلك..
على سبيل المثال:
يوجد ذلك المبتعث الذي يجد إبتعاده عن بلاده فرصة للهرب من القيود الإجتماعية والتقاليد التي لطالما اعتقد أنها ظالمة ومهيمنة، وفي كثير من الأحيان مقدمة على الدين.. هو يرى الابتعاث طريقا للتحرر من السلطة الإجتماعية والأسرية التي تفرض عليه قناعات لا يؤمن بها، وفي نظره هو الحل الوحيد كي يعيش ويخطط حياته وفق قناعاته ورؤيته الشخصية، ولكن في بعض الأحيان لا يلبث حتى يكتشف أنه لم يتخلص مما هرب منه تماما،، فالسلطة الاجتماعية قد تطلق عليه أحكاما حتى لو كان بعيدا. اعتقد أنه نجا من بطش ذلك المجتمع الذي سيقيمه بناء على “قصة شعره” وطريقة ونوع لباسه، المجتمع الذي قد يضعه في القائمة السوداء بسبب صورة في “الفيسبوك”..
هو في الحقيقة لا يكره مجتمعه، لكنه ناقم عليه بسبب أحكامه الصادرة عليه وعلى غيره..
هنالك من يريد تحقيق ذاته..
هنالك من يريد الهرب من واقعه الذي لا يعجبه..
وهنالك من يريد الإثنين معا!